يواصل هادي زكاك قراءة فصول من تاريخ لبنان والمنطقة وترجمتها سينمائياً، معتمداً لغة سينمائية مختلفة في كل عمل. «شهر عسل 58» (الصورة ـــ 15 د ــ فيلم قصير ــ إنتاج مشترك لبناني إيطالي) يعود معه هادي زكاك (1974) إلى عام 1958، سارداً قصة حبّ، تتوّج بزفاف وشهر عسل يتزامن مع الحرب الأهلية الأولى بعد الإستقلال.
لا تعرف الأجيال التي لم تعايش أحداث ذاك العام ما الذي صار، ونتائجه وآثاره التي اتصلّت بالحرب الأهلية الثانية (1975)، إلا من قرأ عنها في محاولات التأريخ الفردية غير الرسمية. هذه المحطة كغيرها من المحطات التاريخية التي تلت عام 1943، تشكّل نقطة خلاف بين اللبنانيين، تنتظر كتاب التاريخ الموحّد الموعود حلّها بين المعنيين. لذا، قد تختلف التسميات لمن يبحث عمّا حصل عام 1958 بين «ثورة»، و«حرب»، أو «أحداث». لا تكفي 15 دقيقة للوقوف على الأسباب والنتائج وتفصيلها. هذا أصلاً ليس مهمة السينما حصراً، يكفي أن يذكرنا فيلم «شهر عسل 58» بأنّ هناك حرباً أهلية اندلعت، على قاعدة أرساها المفكر جورج سانتايانا «أولئك الذين لا يتذكرون ماضيهم، محكوم عليهم إعادته». وكعادة أفلام زكاك، يبدأ المخرج فيلمه بهذه الجملة.
إلا أن هادي الذي سلك درب السينما الوثائقية منذ بداياته عام 1999، اعتمد دائماً على الأبطال، على الرواية التي لا تجعل أعماله الوثائقية مجرّد أفلام جافّة، تحمل معلومات ووقائع. في «شهر عسل 58»، يخبرنا هادي قصة رومانسية حصلت فعلاً، أدّت بعد ثلاث سنوات غرام إلى الإرتباط عام 1958. الأرشيف شكّل مادة الفيلم الأساسية والوحيدة.
قصة الغرام التي تتسارع خطواتها وتتراكم فصولها، تُزاحمها صور حلف بغداد، وصور الوحدة العربية بين مصر وسوريا، عبد الناصر، كمال جنبلاط، كميل شمعون وصولاً إلى بلوغ الأحداث ذروتها في تموز (يوليو) 1958، وتتويج قصة الحب بزفاف وشهر عسل لبناني في أوروبا. يجد العريسان نفساهما محاطين بالإعلام الأوروبي الذي ينتظر أخبار الإشتباكات الآتية من بيروت، بعدما اشتبك الثوّار بقيادة كمال جنبلاط مع القوات الحكومية ومناصري الرئيس كميل شمعون. حينها، لم يكن الفلسطينيون عذراً ولا وقوداً. كان صراعاً لبنانياً لبنانياً، صراع خيارات سياسية في الدرجة الأولى، لكنه لم ينجُ من إلباسه اللبوس الطائفي.
توفرّ لهادي زكاك أرشيف غنيّ ونادر، ركبّه بإتقان مع الأرشيف الخاص الذي يحمل قصة حبّ يؤدي بطولتها والداه. امتزجت الصوَر في خدمة السرد وفي خدمة التأريخ، فتقطع صور وأصوات نشرات الأخبار الآتية من بيروت، هدوءَ ورومانسية قصة الحب وشهر العسل الأوروبي. يعود العريسان إلى بيروت التي امتلأت شواطئها بقوات «المارينز» بناء على طلب رئيس الجمهورية آنذاك كميل شمعون. كانت «المارينز» تنتظر لتتدخل وتقطع الطريق على عبد الناصر وحلفائه. تنتهي ما يعرف أيضاً بـ «أزمة 1958». في عام 1975، يغادر العريسان مجدداً إلى روما، الحرب الثانية قد اندلعت، يتذكران سوياً شهر العسل وحرب 58 بعدما طوت الذاكرة اللبنانية الجماعية صفحتها.