غزّة | تمكّنت غزّة أوّل من أمس من تحويل الأنظار إليها، وتغلغلت العملية التي أطلقتها «سرايا القدس» في قلب المحطات التلفزيونية. كسر الجناح العسكري لحركة «الجهاد الإسلامي» صمته برشق غلاف غزّة بعشرات الصواريخ، لتكسر أيضاً معظم وسائل الإعلام العربية صمتها تجاه أزمات القطاع. كان حدثاً استثنائياً بامتياز، جذب المحطات الفضائية على اختلافها، وتلقّفته معظم وسائل الإعلام باعتباره «الرد الأعنف» منذ إبرام اتفاق التهدئة بين فصائل المقاومة والعدو الإسرائيلي في 2012. وبعد تصدّر الأزمة السورية عناوين نشرات الأخبار، نجحت غزّة في حجز مكان لها، لكن الفارق في التغطية الإعلامية كان في انحياز بعض المحطات إلى الجانب الإسرائيلي اللعب على وتر رد الفعل الفلسطيني المباغت والتهويل من صدمة الإسرائيليين واضطرارهم إلى التحصّن في الملاجئ، فيما انبرت محطات أخرى إلى تسليط الضوء على الهجمات الإسرائيلية المتكرّرة على غزّة في ظل عدم شفاء الأخير من آثار عدوان «حجارة السجيل».
لكن الحدث الذي هزّ أركان «تل أبيب» لم يهزّ تلفزيون «فلسطين» الرسمي. الأمر ليس مستغرباً، فكعادته عزل التلفزيون الرسمي نفسه عن المعارك التي تخوضها فصائل المقاومة، منادياً بتقديم مزيد من التنازلات والمساومات لإحداث خرق في المفاوضات. البرامج تبقى على حالها، لكن لا مانع لدى تلفزيون «فلسطين» من المرور على ردود الفعل الفلسطينية والإسرائيلية في سياق النشرات الإخبارية. كيف لا، وأمام التلفزيون معركة كبرى تتمثل في نقل كلمة الرئيس الفلسطيني محمود عباس أمام المجلس الثوري لحركة «فتح»؟
أما فضائية «الأقصى»، التابعة لحركة «حماس»، فلم تتصدّر الواجهة هذه المرة، إذ كانت تغطيتها للحدث متفاوتة؛ تارةً تولي اهتماماً للتطورات على الجبهة الجنوبية، وطوراً تذيع برامج لا تتناسب مع حجم الحدث. من جهتها، رصدت «فلسطين اليوم»، التابعة لـ«الجهاد الإسلامي»، الحدث عن كثب، فخصّصت بثها المباشر للقصف الصهيوني الذي طاول غزّة أول من أمس، ولعملية إطلاق الصواريخ على الطرف الإسرائيلي من قبل «سرايا القدس». نجحت الفضائية في فرض نفسها بقوة في الميدان، إذ استضافت محللين سياسيين وقيادات وطنيّة لدراسة السيناريوات المحتملة.
وتميّزت «الميادين» بأخبارها العاجلة الدقيقة وبالوقت الذي أفردته للحدث الفلسطيني، إضافة إلى استضافة الأمين العام لـ«الجهاد الإسلامي» رمضان شلح الذي وصل النقاش معه إلى حدّ استعرض ارتدادات ما يحصل على سوريا و«حزب الله». لكن قناة mtv اللبنانية رأت الحدث بـ«عين إسرائيلية»، واصفة الرد الإسرائيلي على مواقع المقاومة الفلسطينية بـ«العملية الانتقامية» بعد قصف «سرايا القدس» مواقع إسرائيلية جنوب «إسرائيل»! المحطة بالغت في التعاطف مع الجانب الإسرائيلي عبر تبنّي روايته، من دون الإشارة إلى الغارات الجوية على غزّة، فضلاً عن نقل تصريحات مسؤولين إسرائيليين. من ناحيتها، بقيت «العربية» في المربّع الذي اختارته منذ تفجّر الأزمة السورية، فكانت تغطيتها للحدث في غزة هامشية، فيما أعطت «الجزيرة» مساحة كبيرة لمراسليها في القطاع، وائل الدحدوح وتامر المسحال. قرارٌ نبع (ربما) من حسن العلاقات القطرية الـ«حمساوية».
على خط مواز، شهدت مواقع التواصل الاجتماعي تضامناً كبيراً مع أهالي غزّة، خرقته بعض الأصوات التي أبدت تشفّياً. أحدهم كتب: «اللهم انصر إسرائيل على حماس»، قبل أن يضيف آخر: «كالعادة نفد الدعم لدى حماس، فراحت تستفز الإسرائيليين لقصفها. متى ستتخلون عن شبح النذالة؟».


يمكنكم متابعة عروبة عثمان عبر تويتر | @OroubaAyyoubOth