بعد صدمة ما (تروما)، يفقد الشخص السيطرة على صحته النفسية، وهذا شيء ليس بجديد. إذا أردنا تقديم قصة مماثلة للسينما، نحتاج إلى فكرة مختلفة. في فيلم الأرجنتينية ناتاليا ميتا «المتطفّل» (The Intruder عرض ضمن المسابقة الرسمية من «مهرجان برلين») هذه الفكرة هي «الأصوات». إينيس (إيريكا ريفاس) تعمل كمغنية وأيضاً مدبلجة أفلام «فئة ب» إلى الإسبانية (مثل إنتاجات يابانية كثيرة مليئة بالدم والإثارة الجنسية). إنّها في علاقة مع ليوبولدو (دانيال هاندلر)، رجل مسيطر، متأنّق ومتحكّم بكل شيء. عندما كانا في رحلة رومانسية وغريبة في أكثر المناطق سياحيةً في المكسيك، تنتهي بحادثة مأساوية (انتحار ليوبولدو). تفقد إينيس السيطرة على صوتها، وتدريجاً تفقد أيضاً القدرة على إدراك الواقع برمّته. منذ تلك اللحظة، تصبح الآلام والرهاب والصدمات النفسية مجرد محفّز ومضخم لانقسام متزايد بين الواقع والخيال إلى مستويات مرضية. من الإجهاد إلى الاضطرابات النفسية، من حبوب منع الحمل إلى الكوابيس المتكرّرة، من الطاقات التي لا يمكن التحكم بها إلى الظواهر والأشباح والأصوات التي لا يمكن التخلّص منها.... القصة المستوحاة من رواية El mal menor للكاتب الأرجنتيني C.F. Feiling، تستحيل قصة إثارة نفسية تتعقّد أكثر في الجزء الثاني من الفيلم حين تعود والدتها مارتا (سيسيليا روث) للعيش معها ومساعدتها، وأيضاً مع ظهور ألبيرتو (ماهويل بيريز بسكايارت)، العضو في الجوقة التي تغني فيها، ويبدو أنه يلائم عالمها الشخصي الجديد (الفوضوي). لا يقدم «المتطفّل» الرعب الكلاسيكي. بدلاً من ذلك، تهتم المخرجة بالتأثير الاجتماعي لهذا «الشبح» ورعب الأصوات. وغالباً ما يكون هذا أقل من الضغط الذي يمارسه الآخرون على إينيس، ما يجعلنا نشك: ما هو الواقع؟ أين يبدأ الحلم؟ ما هو هذا الشيء الخارق؟ ما هي الأصوات؟ وهل هي مجرد تعبير عن النفس التالفة؟ ولكن... يلعب «المتطفّل» في منطقة معقدة، يحاول التلاعب بالمشاهد بقوة التأثيرات الصوتية التي تخلق مناخات عاطفية مثيرة في عالم حميم غير قابل للتحقّق يهيمن عليه الشعور بالخطر وانعدام الثقة. يصرخ الفيلم من أجل هذا، ولكنه يظهر بطيئاً. اللعب على الأصوات الطبيعية وظهور أصوات غربية فجأة، لا حاجة ملحة إليهما. إذ لا تحقق الحيل الجمالية لإعطاء مساحة أكبر لفكرة الفيلم الأساسية هدفها. وهنا تكمن المشكلة، لأنّ الفيلم لا يسير فعلياً. مع أنه قصة جنسية نفسية كما أوضحت المخرجة، فإن العنصر الجنسي مبتذل جداً وغير مثير، سواء أكان من «المتطفّل» أم من خلال أشخاص حقيقيين يريدون الوصول إلى جسد إينيس. فهذا الإلحاح الجنسي يعمل بشكل عكسي. لسوء الحظ، الفيلم ذو المستويات المعقدة لا يصبح مثيراً للاهتمام، إذ لا تقع القصة في لغز محيّر يجبر المشاهد على تجميعه، ولا توفر الفكرة الأساسية لحظات جميلة.
المخرجة الأرجنتينية، قدّمت فكرة جديدة ولكنها لم تكملها حتى النهاية. وإن كان هذا آخر ما وصلت به في فكرتها، فإنه غير كافٍ. واضحة هي تأثيرات سينما براين دي بالما وديفيد كروننبرغ، وجمالية أفلام «الجيالو»، وخصوصاً أفلام داريو ارجنتو. وفي بعض اللحظات، يذكرنا الفيلم ببعض جوانب فيلم Berberian Sound Studio للإنكليزي بيتر ستريكلاند. لكن كل هذه الاقتباسات لم تكن أيضاً كافية. بدأ الفيلم بشكل جيد ثم أفقدنا الاهتمام به مع مرور الدقائق. تحدّت ميتا مشاهديها فكرياً، لكنها شرحت كل شيء بدلاً من ترك المخاوف تصل إلى لاوعي المشاهد وبدوره يحولها إلى شيء ملموس جسدياً.