تزامنًا مع عبور أوّل طائرة إسرائيليّة سماءَ السودان، عبّر المخرجُ السودانيّ صهيْب قسم الباري عن رفضه عرضَ فيلمه ضمن مهرجان سينمائيّ في القدس تحت عنوان "سينما الشرق الأوسط." وقال إنّه لا يشرِّف الفنّانين، في أيّ زمنٍ كانوا، "أن يَستخدم منتهِكو الحياة فنَّهم بغرض اﻹيهام بأنّ كلّ شيءٍ على ما يُرام، فيما الجرائمُ الكبرى مستمرّةٌ، والشعوبُ تُقتل وتُعذَّب، واﻷطفالُ يُسجنون..". "سينما الشرق اﻷوسط" مبادرةٌ من معهد "فان لير" و"سينماتك" (القدس)، وهو برعاية وزارة الخارجيّة الإسرائيليّة، بهدف خلق جسرٍ ثقافيٍّ بين المجتمع اﻹسرائيليّ والمجتمعات العربيّة. ويُفترَض أن يكون المهرجانُ قد افتُتح بفيلم "أريكة في تونس" للمخرجة التونسيّة منال العبيدي، التي لم يصدرْ عنها أو عن شركةMK2 (المسؤولة عن برمجة الفيلم) أيُّ تعليقٍ حتى الساعة، على الرغم من الرسالة التي توجّهتْ بها "بي دي أس فرنسا" و"الحملة التونسيّة للمقاطعة اﻷكاديميّة والثقافيّة ﻹسرائيل" إلى مؤسِّس الشركة (مارن كارميتز)؛ وعلى الرغم أيضًا من الرسالة المفتوحة الموجَّهة إلى المخرجة من"التنسيقيّة التونسيّة للعمل المشترك من أجل فلسطين"، والموقّعة من جهاتٍ عدّة ("الحملة التونسيّة لمقاطعة ومناهضة التطبيع مع الكيان الصهيونيّ" و"الحملة التونسيّة للمقاطعة اﻷكاديميّة والثقافيّة" و"الاتحاد العامّ لطلبة تونس" و"لجنة التضامن التونسيّة من أجل إطلاق سراح جورج إبراهيم عبد الله").
واليوم، بحسب الصفحة الرسميّة للنشاط، سيُعرض فيلم "صوفيا" للمخرجة المغربيّة مريم بن مبارك. وكان هذا الفيلم قد عُرض سنة 2018 في مهرجان حيفا للسينما على الرغم من استنكار المخرجة وعدمِ موافقتها، بل طلبِها سحبَ الفيلم من المهرجان أيضًا!
هذا، ومن المقرَّر في اﻷيّام القادمة أن تُعرض الأفلامُ الآتية:
- فيلم "في سوريا" للمخرج البلجيكيّ فيليب فان ليو، ويشارك فيه ممثّلون فلسطينيّون ولبنانيّون وسوريّون.
- فيلم "المومياء" للمخرج شادي عبد السلام، وهو من بطولة النجمة الراحلة نادية لطفي (المعروفة بمناهضتها للتطبيع). وقد أكّد مسؤولٌ في وزارة الثقافة المصريّة أنّه لا يعلم كيف وصل الفيلمُ إلى حيث سيُعرض!
- الفيلم التسجيليّ "الحديث عن اﻷشجار" للمخرج السودانيّ صهيب الباري، الذي كان قد أعلن (كما ذكرنا) أنّه، وجميعَ مَن شاركوا في الفيلم، يرفضون بشدّةٍ عرضَ الفيلم. ولكنْ، حتى الساعة، لم يُزَل الفيلمُ من برنامج العرض. *
وكان من المقرَّر عرضُ فيلم "ما زلتُ أختبئ كي أدخّن" للمخرجة الجزائريّة ريحانة، ولكنّه أزيل مؤخّرًا عن صفحة البرنامج، ولا معلومات أو تصريح من أيّ جهةٍ حتّى الساعة عن الأسباب.
هذا، ومن المقرَّر أن يُختتَمَ النشاطُ بفيلم "قضيّة رقم 23" للمخرج اللبنانيّ زياد دويري، الذي لم يَصدرْ عنه أيُّ تعليقٍ حتى الساعة.
إنّ حملة مقاطعة داعمي "إسرائيل" في لبنان تناشد جميعَ المخرجين والممثّلين العرب إصدارَ رفضٍ واضحٍ وصريحٍ لمشاركة الأفلام المذكورة في هذا المهرجان الإسرائيليّ، الذي ترعاه وزارةُ خارجيّة كيان العدوّ. وتطلب إلى الجميع فرضَ شروطٍ مُسبّقةٍ على شركات التوزيع، تقضي بوجوب عدم عرض أفلامهم هناك.
إنّ المشاركة، المباشرةَ أو غيرَ المباشرة، في أيّ مهرجان ثقافيّ أو فنّيّ أو رياضيّ أو علميّ في الكيان الصهيونيّ، إنّما هو تلميعٌ لصورته الدمويّة، أو تغاضٍ عن إجرامه في الحدّ الأقلّ. وإنّ الموقف السياسيّ والأخلاقيّ والإنسانيّ السليم يقضي بأن يَعمد الفنّانون والمخرجون والممثّلون العرب، وغيرُ العرب، إلى رفض استغلال أعمالِهم ستارًا لتمرير "فصل الفنّ والثقافة عن السياسة" لأنّ ذلك يروِّج – في حدّ ذاته – صورةً مغايرةً لواقع "إسرائيل" الاحتلاليّة العنصريّة المجرمة. وهذا الرفض هو ما سبق أن مارسه عددٌ مهمٌّ من الفنّانين العرب، وعلى رأسهم أكرم زعتري ووليد رعد، الذين طالبوا بسحب أعمالهم الفنّيّة من الدورة الثالثة لـ"بينالي البحر الأبيض المتوسّط الإسرائيلي" سنة 2017.
في مواجهة "صفقة القرن" (المتواصلة على أرض الواقع منذ وعد بلفور)، لا بديلَ من صفقةٍ واضحةٍ بين الفنّ والأخلاق، عنوانُها مقاومةُ الاحتلال وعزلُه، حتى عودةِ الحقّ إلى أصحابه.
بيروت في 18/2/2020

* تحديث: عند الصباح تبيّن لنا أنّ المخرج صهيب قسم الباري قد حذف البوست الذي افتتحنا بكلماته هذا البيان (نرفق هنا صورةً عن منشوره المحذوف). وعند بحثنا عن سبب حذفه تبيّن أنّ الفيلم الذي كان يُفترض عرضُه قد سُحب من صفحة برنامج المهرجان.