قراءة شخصية قائمة على تضارب في مدينة لم تعد لها القدرة على تحمّلها
في العرض ترتدي ديمة بنطلوناً أحمر، وتتنقّل من حالة إلى حالة مع تبدّل موقعها، بين الجلوس على الكرسي والتمدّد على الأرض والوصول إلى الجمهور. هناك ذكريات كثيرة: المرّة الأولى التي تمكّنت فيها من الإمساك بيد امرأة بلا خوف في نيويورك. التاريخ العائلي الذي يظهر فيه طيف الحرب الأهلية، الانهيارات النفسية، كل ذلك يبدو كأنها تُحصي الندوب التي صنعت شخصيتها. تضع صراعاتها عن الهُويّة الجندريّة واللغة والرغبة، والعلاقة مع الجسد كلها أمامنا. صراع الجسد المثلي في مدينة كبيروت، هو الصراع الأساسي، إضافة إلى تبعاته النفسية والذهنية والجسدية التي تعيشها المرأة. نتعرّف إلى أوجه عدّة من علاقتها مع جسدها المثلي من جهة، وعلاقة هذا الجسد مع جسد حبيبتها. في مقاطع من العمل توغل عميقاً في هذه التناقضات. تشارك رغبتها في التخلّص من صدرها أحياناً. تدخلنا إلى غرفة النوم وتصف جسد حبيبتها، ونوبات القلق التي أصيبت بها الممثلة بعدما افترقتا. مع الوقت، يواصل النص تدريجياً «التعرّي» النفسي الذي لا يخلو من سخرية على ميلها إلى العذاب، وحاجتها إلى الشفقة على نفسها. يحمل الجسد أيضاً النظرات والتأويلات الخارجيّة له. تتهكّم متّى على نظرة الإعلام الغربي إلى المثليين العرب. هي «مثلية» و«عربيّة»، صفتان تلقيان، وخصوصاً إذا ما اجتمعتا معاً، ثقلاً مضاعفاً لتجد نفسها محاصرة بين النظرتين الغربية والمحليّة.
رغم أنها تقطع استرسالها بالمونولوغ مراراً، عبر الحديث مع الجمهور ومع من هم حولها، إلا أنها تبدو كما لو أنها تصوّب رأسها إلى الداخل فحسب. من ناحية، ينجح العرض في التنقّل من قصّة إلى قصّة، لكنه يبتعد عن الترميز تماماً لصالح السرد وتهافت الذكريات الشخصيّة. يبقى العمل عالقاً في دوّامته الذاتية التي تفتقر إلى مقاربة أنضج للوصول إلى الجمهور، من دون الاعتماد على هذا القدر من الدراما. البوح وحده، ولو كان يُعدّ «جريئاً» في مدينة كبيروت، إلا أنه ليس كافياً لكي يبرّر هذا السيل من الاعتراف الذي يقترب من معناه العلاجي والطبي. اعتراف كهذا قد يكون محرّراً للفنانة وحدها.
* «هذا ليس نصّاً محفوظاً، هذه قصّةٌ مدروسة» لديمة متى (إخراج يارا بو نصار): 20:30 من مساء الغد وبعد غد ــ «استديو زقاق» (تقاطع مار مخايل ــ برج حمود/ بيروت).