شقّت تجارب الأندرغراوند العربي نوافذ على الريبرتوار التراثيّ للشعوب والبلدان. في السنوات الأخيرة، أرجع فنانون كثر الفولكلور السمعي لبلادهم كما لو أنهم يعيدون تأويل أصوات من سبقهم وبعثها مجدّداً. هكذا عرف المستمعون أعمالاً كلاسيكيّة لم يكونوا ليتعرّفوا إليها لولا تسجيلاتها من قبل الفنانين الجدد. بالنسبة إلى التراث الفلسطيني، تشكّل هذه الاستعادات التجديديّة احتفاء بهويّة البلاد وبتراث يتعرّض للاستلاب يوماً بعد يوم. استمعنا إليها في السابق بأصوات ريم بنا وتيريز سليمان وأمل كعوش وأخريات من اللواتي أدّين أغنيات القرى والبلدات والمدن الفلسطينية. تسجيلات عبّدت الطريق لهذه الأغنية للوصول إلى البلدان الأخرى تحديداً، خصوصاً في ظلّ غياب مؤسسات تحافظ على أرشيف لا يزال يستعاد ويتداول في المناسبات الاجتماعية، كالأعراس والحفلات في الداخل الفلسطيني.تحت السعي إلى إحياء التراث الفلسطيني الغنائي والموسيقي، أطلقت منصّة «مستقل» أخيراً ألبوماً جديداً بعنوان Electrosteen. عنوان العمل يجمع الإلكترو مع فلسطين، كدعوة بديلة (إلكترونيّة) للاستماع إلى الأغنية الفلسطينية الشعبية. يأتي الألبوم حصيلة عمل جماعي مشترك لعدد من أبرز وجوه موسيقى الأندرغراوند الفلسطيني ومجموعة من الضيوف العرب، من بينهم سماء جلمود، والناظر، ومقاطعة، ومهدي حدّاب، وسارونا م، وناصر حلاحلة، وولاء سبيت، وشاب جديد، وباسل ناعوري.
في أغنيات الألبوم ومقطوعاته، استغلّ الفنانون الجانب الإيقاعي والنغمي الطاغي في الأغنية الفلسطينية التي تتبدّل فيها الكلمات بين منطقة وأخرى. هكذا يعيد «إلكتروستين» إنتاج الأصوات التقليدية ضمن إطار حديث يعتمد على الإيقاعات السريعة، والمؤثرات الإلكترونية التي تحافظ على مناخات الصوت الفلسطيني التراثي. ولناحية الغناء، أعاد الفنانون غناء بعض المقاطع، أو تكرار بعض الجمل طوال مدّة المقطوعة، في توجّه تجريبي يعيد قراءة هذا الإرث بصوت مختلف، خصوصاً أن بعض مقطوعات الألبوم تجمع فنانين عديدين لتصبح أشبه بحوارية بينهم.

بين الزفّة وأغنيات الأعراس، والعتابا، والميجانا التي يتمّ تناقلها من جيل إلى آخر، يضمّ الألبوم 14 مقطوعة وأغنية منها «أورسالم»، و«الأرض الغبراء»، و«يا حلالي»، و«هدوا» و«يا ابن العم»، و«الجزائرستين»، و«إحنا الفلسطينية»، و«عابرون»، و«ما بعد الزفة»، و«حجه» التي صدر فيديو مصوّر لها أخيراً. هكذا يأتي الألبوم ليضع الموسيقى الفلسطينية الفولكلورية في قلب المشهد الفني المعاصر. إضافة إلى العمل الموسيقي الغنائي، جاء الإصدار نتيجة رحلة بحث وتوثيق طويلة لهذه الأغنيات التي تمّ العثور عليها في «مركز الفنون الشعبية» في رام الله. أغنيات كان يردّدها ويعزفها موسيقيون محترفون وهواة من الحضر والريف والبدو، وقد تمّ تسجيلها معهم قبل عقود. أما العمل على الألبوم الجماعي، فقد بدأ بعد إقامة فنية دامت أسبوعين في رام الله عام 2017، كان على الموسيقيين خلالها أن يخرجوا أصواتاً معاصرة تعدّ استمراريّة لهذا الإرث.