مضى تسعة أشهر على تعيين طلال المقدسي رئيساً لمجلس إدارة «تلفزيون لبنان» بقرار من قاضي الأمور المستعجلة. احتفى كثر بهذا التعيين، وأملوا بأن يحمل المدير الجديد الخير للمحطة الرسمية بعد 11 سنة قضتها في حال موت سريري. منذ وصوله، وعد الرجل بأنه آت بمشروع يضع التلفزيون إلى الخريطة مجدداً، ويعيد ثقة المواطن اللبناني به.
وطبيعي أن أي تغيير مهما كان بسيطاً، يحتاج وقتاً لتنفيذه، فكيف إذا كان المشروع هو إنهاض التلفزيون من تحت الأنقاض؟ من هنا، وعد المقدسي الصحافة والمواطن بأنهم سيلحظون الإيجابيات قريباً. أكد أنه بمرور مئة يوم على تسلمه مهامه، سينطلق قطار التغيير الذي لن يوقفه شيء. أمضى الرجل أكثر من 250 يوماً في مهمته لغاية الآن. وفعلاً لم يبق الوضع على ما كان عليه، بل صار أسوأ، سواء بالنسبة إلى البرمجة أم لأسلوب التعاطي بحسب العاملين في المحطة. يقول هؤلاء إنّ الأمر بلغ حدّ الشعور بأنّ أجهزة تنصت زرعت في كل مكان لمراقبة تحركاتهم لحظة بلحظة.
بعد هذه الفترة، قرر المقدسي عقد مؤتمر صحافي لإطلاع الصحافيين على «إنجازاته» في وضع طاولة في منتصف الأستديو، وإخراج أجهزة جديدة من المستودعات لم تُستخدم قبلاً. كما أعلن عن تغيير وشيك للوغو التلفزيون وشبكة برامج جديدة تضم وجوهاً إعلامية معروفة أمثال شدا عمر وسنا نصر. لكنه رفض أن يحدد موعداً لإطلاق البرمجة. وعن تغيير نوعية الصورة إلى نظام ديجيتال، فهو مشروع أطلقه فؤاد نعيم عندما كان مديراً للتلفزيون. وبالتالي صودف أنه انتهى في هذه الفترة. وهناك هيئة مكلفة العمل على المشروع منذ العام 2011، أي قبل تسلم المقدسي مهامه.
خلال الأسابيع الماضية، أوقف المقدسي كافة البرامج على مراحل، وبدأ حملته مع برنامج «صباح الخير يا لبنان» ومعده والمشرف عليه عبيدو باشا. وكان الضحية التالية الشاعر عبد الغني طليس وبرنامجه «مسا النور». كما أوقف برنامج «اليوم غداً» مع طانيوس دعيبس، وبرنامج «نافذة على القانون» مع المحامي منير الشدياق. بعدها توقف برنامج «مأكول الهنا» مع الشيف أنطوان الحاج، ووعده بأن يعيده بعد 15 يوماً. ومضى نحو شهرين على إيقافه، ولا شيء في الأفق يشير إلى عودة وشيكة، ثم أوقف البرنامج الإعلاني Best Sellers الأسبوع الماضي. ولعل البرنامج الوحيد المستمر ولم يهدد بالتوقف هو «الخط الساخن» مع نقولا حنا، «لأن المقدسي يستخدمه في الترويج لمشاريعه ومؤسساته الخاصة» وفق ما يقول عاملون في القناة.
تعاقد المقدسي مع فيكي حداد لتقديم برنامج عن المرأة، وقد صورت حلقته الأولى مرتين، لكنها ليست صالحة للعرض. كما يستكمل التواصل مع شدا عمر وزوجها الإعلامي مروان المتني، وطلب منهما أن يكونا على استعداد لتقديم البرنامج السياسي اعتباراً من الأسبوع الأول من نيسان (إبريل)، لكن الأكيد أن البرنامج لن ينطلق في هذا الموعد. وفيما تبدو ولادة شبكة البرامج متعثرة، ككل شيء في البلاد، يجدر الاعتراف بأن الرجل يحاول جاهداً التغيير، وهذا يبدو واضحاً من خلال تكليفه الإعلامي بسام براك تدريب المذيعين الجدد، لكنه لا يمتلك الخبرة الإعلامية ولا يثق بالعاملين في التلفزيون، وهذا ما يتسبب بأجواء سلبية بينه وبين الموظفين.
كما أن الموظفين يعيشون حالة إرباك وعدم أمان لأسباب عدة منها تدخل مستشارته ميرنا مفلح في كل شاردة وواردة، علماً أن لا صفة قانونية لها. وقد حصلت مشادة كلامية أخيراً بينها وبين المدير التقني كمال أسود وهو أمين سر مجلس نقابة الموظفين في التلفزيون.
من جهة أخرى، لا تبدو العلاقة بين المقدسي والمراقب المالي جوزف سماحة الذي عيِّن كعضو مجلس إدارة من خلال القرار القضائي نفسه، على أحسن ما يرام، لأن سماحة يرفض صرف أي مبلغ إلاّ بسند قانوني واضح. هل سيتمكن المقدسي من تحقيق المهمة المستحيلة قبل انتهاء السنة الأولى على تسلمه موقعه كمدير مؤقت؟ وهل سيصدر قرار من مجلس الوزراء ـ إذا حلت مشكلة البيان الوزاري ــ بتعيينه رسمياً أو بديل له رسمياً في رئاسة مجلس إدارة التلفزيون، أم سيعودون إلى نقطة الصفر ولا يجدون اسماً يتفق عليه الجميع؟