* عبيدو باشالا أعرف السيد طلال المقدسي. التقينا في اجتماع واحد طلبه وزير الإعلام السابق وليد الداعوق، لاستكشاف أسباب تقليص حلقات «صباح الخير يا لبنان» من 6 أيام في الأسبوع إلى ثلاثة. لم أناقش، لأن المدير الجديد للمؤسسة القديمة، وصل إليها مفخخاً بوجهات النظر الجاهزة. تركت كتبي أمامه. سألته حول اهتمامه بالقراءة، أجاب بأنه لا يقرأ. ربطت بعدها بين جوابه، وبين مراسلاته المستمرة، عبر مدير البرامج، الموجهة إليَّ. لا يريد كتباً في الفترة الصباحية. الفترة ذات ثقل ثقافي، رسالة أولى. ثم منع مقابلة مع فادي الطفيلي، رئيس تحرير مجلة «بورتال ٩». الفترة الصباحية حاضنة الإصدارات الجديدة. رسالة ثانية. أبلغنا المدير العام الجديد في المؤسسة القديمة، بأن من الضرورة تسليم جداول الضيوف كل خميس، ما معناه أنه يريد الجداول قبل العطلة الأسبوعية بثلاثة أيام، يعطف على ذلك أيام الجداول السبعة. هكذا يضحي ضيوف البرنامج اليومي، متأخرين على الأجندة الثقافية في البلد بين أسبوع و10 أيام.

لا غرو، طالما أنّ إدراك المهام الصباحية في قناة، يبقى قضية مستعصية على مفتقدي الخبرة على صعيد الإرسال التلفزيوني. حدث أن جاء المدير العام إلى الريجي، سائلاً عن طبيعة الإرسال (مباشر أم غير مباشر)، حين رأى على الشاشات كلمة «مباشر» تحت «صباح الخير يا لبنان». لم أخب. لن ينقذ أحد المؤسسة الرسمية، لأنها كتبت ملحمة حضورها منذ مرحلة طويلة. لم أناقش في تقليص عدد أيام البرنامج، لأن المحكمة استصدرت حكمها في دعواي المرفوعة على التلفزيون. لست أجيراً مياوماً، بعد 14 سنة من الفلاحة الثقافية.
أبلغني مدير البرامج رغبة المدير بعدم التعاون بعد، احترمت تاريخي في المؤسسة الوطنية، وغادرت. بتصريحه لـ«الأخبار» (٨/3/2014) ردد الرجل أنّ المسؤول عن مغادرتي المؤسسة، ليس إلا أنا، في زمن كثرة الدهاليز الاقتصادية والسياسية. يكذب كثيرون، ثم يصدقون كذبهم. كثرت التصريحات، بحيث بات من الضرورة الاتصال بـ«غينيس» لتسجيل الرقم القياسي للتصريحات الخاصة به. لا يسمح للمدير العام بأن يصرح إلا بالعودة إلى وزير الوصاية. لم يعد النموذج البلدي هذا صالحاً، مع التطورات الأخيرة في «تلفزيون لبنان» حيث يسود الاحتقان وقلة الثقة بين الموظفين والمدير العام. لن تتأسس علاقة المدير بالوزير على السؤال، ما دام الأفرقاء مشغولين بالبيان الوزاري. لن يواجه أحد شهوة القادمين الجدد بالسلطة. حتى إنّ الدولة لم ترد على المدير العام الجديد وهو يتبرع لها بما يكتنزه من أموال، علماً بأن دفع ليرة واحدة إلى مؤسسة رسمية بحاجة إلى موافقة مجلس الوزراء اللبناني. هكذا تصدّق المدير العام على الدولة بقروش، أوحى في تصريحاته بأنها مبالغ ضخمة. أن تُمنح مؤسسة رسمية أموالاً، يعتبر هذا مخالفة قانونية، تخضع للمساءلة. مخالفتان: مخالفة تصريح المدير بلا العودة إلى الوزير، ومخالفة التصدّق على الدولة.
المخيف هو الوشاية بالبطولات بلا بطولات. المؤسسة لم تحقق شيئاً منذ إطاحة المدير العام السابق الراحل ابراهيم خوري، إلا إذا اعتبرنا مقابلة ماغي فرح ليلة رأس السنة إنجازاً. ثم تنجير طاولة لمديرية الأخبار، تحولت إلى محجة النجارين والسكرتيرات والمقربين. ثم تنجير طاولة أخرى، عقد المدير والوزير، مؤتمراً صحافياً على شرفها، على الأضواء البيضاء والخضراء والحمراء، ثلاثة ألوان للوغو الجديد، هي ألوان العلم اللبناني. فكر تبسيطي قاتل. يزدهر الفكر هذا بزهو، واضعاً اسم لبنان في أسفل اللوغو «بالعربية والأجنبية لمخاطبة المغترب اللبناني». معجزة بروميثوس تحققت مع مجلس الإدارة الجديد المؤلف من عضو واحد. تدشين لزمن الإنسان الجديد. سيتحول التلفزيون الصعلوك إلى تلفزيون بهي. عمت البهجة كل اللبنانيين. شوهد جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة وأعضاء الرابطة القلمية يحتفلون بذلك في أميركا والأرجنتين وروسيا. غير أنّ المراسلين انتبهوا إلى أن دعوة رفع الستارة عن الطاولة المنجرة، اقترنت بالكلام على شبكة البرامج الجديدة. الأرجح أنه تم تأجيل الإعلان عنها لصالح شبكات الكلمات المتقاطعة في الصحف المنتشرة بين أيدي الموظفين العاطلين من العمل. وجد المدير «رتابة» في برنامج استدعى إلى هواء «تلفزيون لبنان» 70 ألف ضيف. لن يقع أحد بعد في الأحابيل. لأن «المنجزات» الهائلة تشهد في «تلفزيون لبنان». لا بأس من تذكر حكاية راعي الأغنام والذئب مع تكرار المدير بأنّ البرنامج وقع في الرتابة بعد أسبوع على حلول المدير في البناء القديم في تلة الخياط. ما يكمل زمن الثقافة الجديد في المحطة الوطنية، «ادّعيت عليه (أنا) بتعطيل العمل». فيض فتوحات يسوّغها لنفسه. الموثر أن عينيه دمعتا، حين تسلم التلفزيون «لهول ما شاهدته». لا شك في أنّ كثيرين أقاموا الأعياد بالخطوات التأهيلية الجديدة، مع اكتشاف البحّار الجديد المياه الآسنة في بحر التلفزيون. «مثقفون يحملون الدكتوراه يعملون سائقين (لم أصادف أحداً منهم في التلفزيون) وآخرون غير مؤهلين يتسلمون مواقع قيادية» (يرد المقصود إذا تحسس ركبتيه ووجدها في محلها). أما الديجيتال، المعزوفة الدائمة في كونشيرتوات المدير العام، فهو جزء من عمليات الإرسال في التلفزيون منذ كذا عام وعام. إرسال «تلفزيون لبنان» الفضائي، إرسال ديجيتال. أما نظام « الأنالوج» فهو الضفة الثانية من نظام المونولوج في تلفزيون الدولة. أما عن تقييم برنامج ثقافي، فهو دخول في أبوّة بلا أولاد، طالما أنه لا معيار للمقيم. (أمتلك أوراقاً وقّعها المدير العام موافقاً على أسماء راحلة منذ 100 سنة) وسأنشرها حين تقتضي الضرورة. الآن، ليس بوسعي إلا أن أردد بأن «نفسي حزينة حتى الموت». ذلك أن العالم الجديد، لا يولد تاريخه الجديد، إلا بالمؤتلف في اختلافه. ليست الأخيرة لعبة لغوية.