تونس | المخاض الذي يعيشه الإعلام في تونس لا ينتهي مع إطلاق مؤسّسات تنظّم المشهد الإعلامي. جاء كراس الشروط الذي اقترحته أخيراً «الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري» (HACA) ليُضفي على المشهد الصرامة التي يفتقر إليها بعد الحرية التي تحقّقت في السنوات الثلاث الأخيرة. اقترحت الهيئة تضمين القانون الانتخابي فصلاً يمنع أصحاب القنوات التلفزيونية والإذاعية من الترشّح للانتخابات المقبلة، فضلاً عن عدم السماح للمرشّحين بالحصول على رخصة قبل هذه الانتخابات. هذا الاقتراح جاء بعد بروز ظاهرة لافتة في المشهد السياسي حتى في الوطن العربي.
هناك ستّة سياسيين ورؤساء أحزاب يمتلكون قنوات تلفزيونية، ويعوّلون على قنواتهم لإدارة المعركة الانتخابية لأحزابهم إذا قرّروا خوض الانتخابات الرئاسية. هؤلاء هم محمد الهاشمي الحامدي مؤسس ورئيس حزب تيّار «المحبة» وصاحب قناة «المستقلة» التي تبثّ من لندن. أعلن الهاشمي الحامدي رسمياً ترشّحه للانتخابات الرئاسية من مقرّ إقامته في لندن. كذلك، هناك سليم الرياحي مؤسّس ورئيس حزب «الاتحاد الوطني الحرّ» الذي يملك أغلبية الأسهم في قناة «التونسية». كما أنّ العربي نصرة هو مالك «حنبعل»، أوّل قناة خاصة في تونس، ورئيس حزب «حركة الجمهورية». أما محمد العياشي العجرودي، فهو صاحب محطة «الجنوبية»، ومؤسس حزب «حركة التونسي للحرية والكرامة». وعبد الحميد بن عبد الله صاحب قناة «تونسنا»، ومؤسس حزب «الإرادة والتنمية».
جاء في اقتراح الـ HACA منع أصحاب القنوات التلفزيونية والمحطات الإذاعية والصحف من الترشّح للانتخابات المقبلة، لأن ذلك «يُخالف مبدأ تساوي الحظوظ بين كل المرشحين» الذي يعدّ من المبادئ الأساسية في الديموقراطية. ودعت الهيئة في كراس الشروط إلى التزام أصحاب الشبكات التلفزيونية والإذاعية بالامتناع عن أيّ نشاط سياسي دعائي في محطاتهم لأيّ جهة كانت، مع التأكيد على استقلالية مالكي المحطات عن كل الأحزاب وإلتزامهم بعدم ممارسة السياسة.
إذا أُخذ هذا الاقتراح بعين الاعتبار في القانون الانتخابي الذي تجرى مناقشته الآن، فسيقطع الطريق على أحلام أصحاب القنوات من السياسيين الجدد الذين يجمعون بين الأعمال والإعلام والسياسة. لكن يبقى السؤال: كيف سيطبّق القرار على القنوات التونسية التي تبث من الخارج مثل «المستقلة» التي تبث من لندن، وكذلك «التونسية»؟ تعتبر الأوساط السياسية والحقوقية أنّ اقتراح الهيئة في كراس الشروط إجراء منطقي ومعمول به في أغلب الديموقراطيات. لكن رأي أصحاب القنوات التلفزيونية لم يكن كذلك. رأى محمد الهاشمي الحامدي مثلاً أن «الاقتراح يستهدفه». الأكيد أنّ هذا المشروع الذي ما زال مجرد اقتراح في انتظار المصادقة على القانون الانتخابي، سيثير مزيداً من الجدل، وخصوصاً أن الأحزاب التي يقودها رجال أعمال وإعلام لها نواب في «المجلس الوطني التأسيسي».