«كان يا ما كان». هذه العبارة السحرية ما زالت تتردد أصداؤها في قبو «كنيسة القديس يوسف» وتعود بدءاً من اليوم مع انطلاق الدورة 15 في «المهرجان الدولي للحكاية الشفهيّة والمونودراما» الذي ينظّمه «مسرح مونو» بالتعاون مع «المعهد الفرنسي في بيروت» ضمن «شهر الفرنكوفونية». هذا الفن المتوارث عن الأجيال ما زال يحجز له مكانة هامة بين الفنون الشعبية. سيحتفي المهرجان هذا العام بالمرأة بعدما كانت أفريقيا حاضرة بثقلها وبإرثها العام الماضي.
لماذا المرأة؟ «لأنها مركز الحياة وقلب النضالات (..) ولها الدور الأساسي على مدى التاريخ في حفظ القصص الشفوية والأساطير ونقلها إلى الأجيال» يقول المدير الفني للمهرجان جهاد درويش.
5 رواة سيحجزون مكانهم في المهرجان، أتوا من مشارب مختلفة حاملين معهم كنوز حكايات أجدادهم من بلادهم ومن أماكن أخرى زاروها: حليمة حمدان (المغرب ـــ 12/3 و14/3)، حسن قاسي كوياتي (بوركينا فاسو ــ 12/3 و15/3)، ناتالي لوبوشيه (فرنسا ــ 13/3 و15/3) التي ستنقل بعض حكايا بلادها والهند، وكوراليا رودريغيز (كوبا ــ 11/3 و14/3) التي أمضت أكثر من 30 عاماً في القصّ ونقل حكايات القدماء الى الأجيال الحالية. وإلى جانب هذه الباقة المنوعة، يشارك درويش أيضاً في ليلتين (11/3 و13/3) حيث سيحكي قصص النساء في مصر وما حمله «الربيع العربي» لهن. الى جانب هؤلاء، يشارك رواة لبنانيون محترفون سيجولون على المكتبات العامة والمدارس الرسمية والخاصة تبعاً للطلب منهم: نسيم علوان، سارة قصير، فيرونيك نادر وأحمد طيّ. الاحتفالية لن تكتمل إلا بتطعيم المهرجان بالرواة الناشئة الذين أحبوا هذا الفن واختبروا تفاعله مع الجمهور وأتقنوا التعبير الذاتي والوقوف أمام الجمهور بلا خجل.
هذه «الخلطة» من الجنسيات والثقافات التي ستقدم عروضها باللغتين العربية والفرنسية، يراها مدير «مسرح مونو» بول مطر ضرورية في المهرجان. والأهم برأيه هو تفاعل الجمهور مع سرد الحكايات، فهو يشكل بدوره «الراوي الضمني» للقصة الشفهية وجزءاً من هذه القصص التي «تتغلغل في الأرواح والأذهان». هذا التفاعل تستكمله الدردشة التي يقيمها مع الرواة في نهاية العرض. لكن، كيف سيجسّد هؤلاء الرواة «المرأة»؟ يؤكد مطر أن كل «حكواتي» يتمتع بمطلق الحرية في التعبير عن هذه التيمة. لا شك في أنّ هذا الخليط من الرواة سيغني العروض ويقدم المرأة من جوانب عدة من شمال أفريقيا وأوروبا وأقصى الشرق (الهند)، وصولاً الى أميركا اللاتينية. من هذه العروض الخاصة بالمرأة، ستطلق «لعبة وراء كل رجل عظيم امرأة» وفق ما يشرح لنا مطر. ستتم الإضاءة على ثنائيات من المشاهير، مثل: جبران خليل جبران ومي زيادة، كليوباترا ومارك أنطوان... رحلة خوض في التاريخ وأساطيره للتعرّف الى نساء لعبن دوراً أساسياً في تكوين حضارات وثقافات.
في الليلة الختامية (16/3 ــ س: 19:00) تُطلق «مسابقة الكذب» وهي لعبة ارتجالية سيختبرها الرواة الخمسة. في غضون 5 دقائق، على كلّ فنان أن يكمل حكاية أطلق فكرتها الجمهور. لماذا «الكذب»؟ يشرح مطر ببساطة لأنّ الحكواتي تقليدياً ملقب بهذه الصفة لاعتماده على الخيال والمبالغات والخرافات التي يحب أن يصدقها الجمهور طلباً للمتعة والرضى. تبقى الحكاية الشفهية التي تنتقل فكرتها من فم الراوي الى أذن المستمع «حيّة لا تموت طالما هناك من يحكيها»، وذلك لا يمنع من الإطلالة على الواقع الراهن والإنسان المعاصر لسرد هواجسه ومشاكله.
هذا الكلام توافق عليه الراوية سارة قصير التي تشارك منذ عام 2006 في المهرجان، وتصرّ على ضرورة التركيز على الشؤون المعاصرة والواقعية. قصص جمعتها قصير من كبار السن ومن محيطها وتجاربها ستقدّمها للناشئة وللكبار. تعتب بشكل كبير على الأمهات كما تقول لـ«الأخبار»، فهنّ «أهملن القصة الشفهية لأطفالهن أو استبدلنها بحكايات معلبة جاهزة محدودة الخيال تتكئ على إيصال الأفكار بشكل مباشر»، في حين أنه يكفي بحسب الشابة أن يستمع الأولاد والشباب الى هذه الحكايا ويشعرون بها من دون الحاجة الى استخلاص العبر أو وضع عظة في نهايتها. أكان على خشبة «مونو» أو في المدارس، تشتغل قصير في سرد قصصها على الإيقاع الصوتي ولغة الجسد وتنويع الأحداث، إذ تنطوي «الرواية على الحنين وتلتحم في ما بينها مختلف الثقافات».

* «المهرجان الدولي للحكاية الشفهيّة والمونودراما»: بدءاً من اليوم حتى 16 آذار (مارس) ــ قبو «كنيسة القديس يوسف» (مونو) ــ للاستعلام : 202422/01


يمكنكم متابعة زينب حاوي عبر تويتر | @HawiZeinab




بين المقاومة والعنف الأسري

الى جانب سرد قصص الأجداد، تطل الراوية سارة قصير في عروضها على الواقع والحاضر القريب. ستحكي بطولات المقاومة كجزء من «التاريخ الشعبي»، من دون ذكر المصطلحات «مقاومة» أو «إسرائيل». وفي تيمة المرأة، ستخبرنا عن قصة إحدى قريباتها «لطيفة» التي ذهبت ضحية العنف الأسري. وهنا يكمن التحدي في فصل شعورها الشخصي عن أدائها المسرحي. تقول لنا: «ليس بالضرورة أن تروى هذه الحادثة بتفاصيلها، بل ستكثف بلوحة من أربع دقائق». قصة لطيفة ستترافق مع قصص لنساء أخريات تعرّضن للاغتصاب والتعنيف، وستعيد سارة سرد حكايتهن على طريقة «الحكواتي» لتوصل آلامهنّ ومعاناتهنّ الى الجمهور.