تحذير: قد يتضمن حرقاً للأحداث
إنه اليوم الأول من عام 2020، وهو نفسه أول أيام الشهر الحالي، وأيضاً أول أيام العقد الثالث بعد الألفين. سيبدو كل شيء عادياً، إلى حين اكتشاف البعض اختيار الشبكة الأميركية Netflix التوقيت لطرح مسلسل «رجل المعجزات» أو «المسيح» (بطولة: ميشيل موناغان‏، مهدي دهبي‏، جون أورتيز. تأليف: مايكل بيتروني). حينها سيصرخ هؤلاء: «يا للهول!». لا ينسحب الأمر على من قد يأوّل ذلك استناداً لنظرية المؤامرة، أو لاعتقاد أياً كان نوعه، يفيد بأن ثمة «أيادٍ خفية» تحرّك هذا العالم تمهيداً لظهور ما يُعرف بـ«المسيح الدجال»، وأن الشبكة التلفزيونية «متآمرة وشريكة» لهذه الأيادي. أجل! لم ينسحب الأمر على المشاهدين الآتين من مشارب دينية وثقافية مختلفة، بل انضم إليهم بعض نقاد البرامج التلفزيونية، ومن بينهم الإسرائيلي إيدو يشعياهو. وهذا الأخير يُعرّفه موقع «واللا» (الموقع المتابع بالدرجة الأولى بالنسبة إلى الإسرائيليين) بأنه «هاوٍ للبرامج التلفزيونية الجيّدة، والكتب المشوّقة والموسيقى. بالفعل، يدور الحديث عن موسوعة ثقافية إنسانية. إيدو هو مَثَلُنا كلنا».
يشعياهو يعتبر أن تزامن طرح السلسلة مع بدء العام «كفيل بشد الانتباه؛ إذ لا بدّ من أن ثمة ما تتعمده Netflix من وراء ذلك، فليس صدفة أن تجتمع كل هذه التواريخ سوياً». أمّا «الهيئة الملكيّة الأردنية للأفلام» فقد دفنت «رجل المعجزات» قبل أن يرى النور، وطلبت من Netflix قبل يومين بالضبط من بدء الطرح «الإحجام رسمياً عن بثّ المسلسل في الأردن». حجة «الهيئة» كانت أنه «صحيح أن قصّة المسلسل خياليّة بحت وكذلك شخصياته، ومع ذلك فإنّ محتوى المسلسل يمكن أن يُنظر إليه أو يُفسر على أنه يتعارض مع قدسية الأديان وبالتالي قد ينتهك القوانين في البلاد».
اللافت أن صفحة Netflix الرسمية على فايسبوك للناطقين بالعربية لم تشمل Messiah ضمن قائمة الأفلام والمسلسلات لشهر كانون الثاني (يناير) 2020. وبالرغم من الأسئلة التي وجهها متابعو الصفحة للقائمين عن موعد العرض، لم يأتهم الجواب. والسبب قد يُعزى إلى «الضربة» التي وجهها متابعون للشبكة بعد عرضها في الفترة نفسها، فيلم «الإغواء الأول للمسيح»، الذي يظهره مثليّ الجنس، ووالدته العذراء تتعاطى الحشيش. أمر كبدها خسارة مشاهدين وبالتالي خسائر ماديّة. كما أن الفيلم دفع مليوني شخص لتوقيع عريضة تطالب الشركة بوقف العرض الذي تبلغ مدته 46 دقيقة، داعين إياها إلى سحبه من العروض التي توفرها و«عدم المساس بالمقدسات الدينية».
مشكلة «رجل المعجزات» أو Messiah، بعيداً عن الإيمان والمعتقدات الدينية كما يراها بعضهم، هي في كونه لا يقدّم سيناريو مبدعاً. لا تتصل المسألة هنا بكونها ذائقة فنيّة، بقدر ما هي نتيجة لخيبة أمل قد تنتاب المشاهد من المسلسل الذي لم يرقَ لمستوى السؤال الشائك المطروح: ماذا لو ظهر «المخلص» في عصرنا الحالي؟ وكيف سيتصرف العالم حياله؟ وإلى حدٍّ بعيد قد يبدو المسلسل قائماً على جملة مقتبسة من أقوال أوبرا وينفري: «أنت تصبح ما تؤمن به»، وهو ما يؤكّده «المخلص» نفسه أكثر من مرّة.
مع ذلك، تترك السلسلة مشاهديها في حيرة وشكّ، فهي لا تقدّم لهم إجابة واحدة واضحة عن السؤال المطروح، بل كثير من الإجابات: يمكنك أن تتبعه للحصول على الخلاص الجسدي، أو من أجل القضاء على المرض، أو من أجل معرفة الحقيقة حول إن كان كياناً إلهياً أو مجرّد بشري «مختل» يسعى لإنشاء فوضى في أرجاء العالم، أو تراه مجرّد ساحر يجيد الخدع. يبدو الأمر الوحيد الواضح هو في حقيقة إيمانك بـ«المخلص» أياً كان شكله ونوعه، من عدمه، وهو ما سيحدّد شكل تصرفك حياله.
يبدأ المسلسل بظهور «المسيح» في سوريا فجأة يتبعه انهيار «داعش»


في الشكل العام، يبدأ المسلسل بظهور «المسيح» في سوريا فجأة، وإثر ظهوره غير المعلوم المصدر تنشأ ظاهرة مناخية تبدو كأنها غيمة تسيطر على سماء العاصمة السورية، وتستمر مدة أربعين يوماً. وما أن تنجلي حتى ينهار تنظيم «داعش». وربطاً بالمعجزة التي حقّقها «المخلص»، يتبعه ألفا لاجئ في الصحراء وصولاً إلى الحدود بين سوريا وفلسطين المحتلة. وبالرغم من كونه مسلسلاً خيالياً، إلا أنه لا يراعي الطبيعة المناخية والجغرافية للمنطقة التي وصل إليها اللاجئون، ففي الواقع هي منطقة جبلية خضراء وليست صحراء كما يصوّرها.
أما بالنسبة إلى المسلمين فيختصرهم المسلسل بشخصيتين رئيسيتين: الأولى شخصية «جبريل» وهو لاجئ سوري-فلسطيني الأصل، تبع «المخلص» وقاد بقيّة اللاجئين للدخول إلى فلسطين المحتلة. ومن وجهة نظر القائمين على «رجل المعجزات» فإن جبريل «أُميّ لا يعرف القراءة والكتابة، وهو مجرد تابع يتحكم فيه المسيح». أمّا رفيقه وهو لاجئ آخر، فقد «جُهّل» بواسطة مجموعة من «المسلمين المتشددين». وفي النهاية استُخدم لتفجير المسجد حيث كان جبريل (صديقه) يحاول توجيه خطاب تلقنه، أمام الحاضرين.
واحدة من الأفكار التي يقدمها المسلسل هي أن «الخطيئة متوارثة» ولكن المخلص لكونه «ابن الرب ويتحرك بمشيئته» فهو «قادر على غفرانها، لمجرد أن يُظهر المُخطِئ ندمه». ويتبدى ذلك في مشهد رجل استخبارات إسرائيلي تعرضت عائلته (لمّا كان صغيراً) لحادث تفجير سيارة مفخخة على أيدي فلسطينيّ؛ ولمّا كبر أراد أن ينتقم، فقام بقتل طفل فلسطيني في الـ14 من عمره لأن والده هو المسؤول عن التفجير، فيما الحقيقة التي يتعامى عنها المسلسل هي أن التفجير الذي تعرضت له عائلة رجل الاستخبارات لم يحدث إلا بسبب أن هناك احتلالاً قائماً على أرض فلسطين، وبالتالي من يتحمّل المسؤولية حكماً هو الاحتلال لكونه الفعل الأساسيّ الذي جرّ إلى رد الفعل.
إضافة إلى ذلك، لا يمكن للمخلص إذاً أن يتحرك بحريته في عصرنا، فالاستخبارات الأميركية والإسرائيلية ستلاحقه، لأنه كما يُصوّر المسلسل، المسؤول الحتمي عن كل ما يحصل، هو كل من «إيران وروسيا». فـ«المخلص» هو مجرد شاب إيراني، فيما يتعاون سراً مع رجل روسي تعرّفه الـ«CIA» كإرهابي... وكلّ هذا لأجل إثارة الفوضى في العالم.