صحيح أنّ واقع الإعلام الغربي في سنة 2019 لم يحمل تغييرات كبيرة مقارنة بسابقتها، غير أنّ اللافت أنّ أزمة ملاحقة الصحافيين واعتقالهم بدأت تشمل الأنظمة الديمقراطية. في تقرير نشرته الشهر الماضي، رصدت منظمة «مراسلون بلا حدود» تفاقماً في شروط ممارسة مهنة الصحافة عبر العالم، لافتة إلى أنّ العام الماضي شهد مقتل 49 صحافياً. وأوضحت المنظمة التي تتخذ من باريس مقرّاً لها أنّ هذه تُعدّ أدنى حصيلة قتلى في صفوف العاملين في «مهنة المتاعب» منذ 16 عاماً، مشيرة إلى أنّ هؤلاء قضوا أثناء تغطيتهم نزاعات في اليمن وسوريا وأفغانستان... من جهته، حذّر الأمين العام لـ «مراسلون بلا حدود»، كريستوف ديلوار،من أنّ عدد الصحافيين الذين قتلوا في بلدان يُفترض أنّها في حالة سِلم، بلغ مستويات عالية بدرجة مقلقة، إذ لقي عشرة صحافيين حتفهم في المكسيك وحدها، وأضاف أنّ «أميركا اللاتينية، حيث قُتل 14 مراسلاً في أنحاء القارة، أصبحت بدرجة الدموية نفسها الموجودة في الشرق الأوسط». وفي الوقت الذي أكد فيه ديلوار أنّ انخفاض عدد القتلى من الصحافيين في مناطق النزاعات هو أمر إيجابي، أشار إلى أنّ «نسبة متزايدة من الأشخاص يتعرّضون للاغتيال بسبب عملهم في دول ديمقراطية»، ما يشكّل برأيه «تحدياً للديمقراطية».في المقابل، حافظت المواقع الإخبارية والسوشال ميديا على موقعها كمصادر رئيسة للحصول على المعلومات، مع تزايد المخاوف إزاء تفشّي الأخبار الكاذبة. وفي إطار مواصلة الجهود لمكافحتها، تعمل مواقع وتطبيقات التواصل الاجتماعي الأكثر شهرة وتأثيراً على الحدّ من هذه الآفة. على سبيل المثال، وفي وقت يواجه فيه تطبيق «واتسآب» وخدمات «فايسبوك» الأخرى تدقيقاً بشأن دورها في نشر محتويات دعائية وأخرى زائفة على الإنترنت، اتخذ «واتسآب»، في بداية عام 2019، خطوة تهدف إلى السماح لمستخدميه بإعادة توجيه أي رسالة حتى خمس مرّات فقط، بعدما كان يسمح لهم بـ 20 مرّة، ضمن جهوده الرامية إلى التصدّي لنشر مثل هذه الأنباء على منصته. جاء ذلك بعدما كان الموقع الأزرق قد أعلن عن حجب 500 صفحة وحساب بزعم التورّط في نشر الـ «فايك نيوز» في دول أوروبا الوسطى والشرقية وأوكرانيا، فضلاً عن كشفه عن استخدام خدمة فحص الحقائق في بريطانيا للإبلاغ عن محتوى على منصته الرئيسية.
واستجابةً لطلب من حكومة سنغافورة، أصدر «فايسبوك» أخيراً أوّل إشعار تصحيح على منشور لأحد مستخدميه، غير أنّه دعا إلى اعتماد نهج متأنٍّ في البلاد يتعلّق بتطبيق قانون جديد لمكافحة «الأخبار الكاذبة من أجل حماية حرية التعبير».
وفي خطوة غير مسبوقة، أقام «واتسآب» دعوى قضائية على مجموعة «إن إس أو» الإسرائيلية بتهمة «مساعدة» وكالات تجسّس حكومية على اختراق هواتف حوالى 1400 مستخدم في أربع قارات، ضمن عملية قرصنة إلكترونية تستهدف دبلوماسيين ومعارضين سياسيين وصحافيين ومسؤولين حكوميين بارزين في غضون أسبوعين فقط بين نهاية نيسان (أبريل) ومنتصف أيار (مايو) 2019. وفي نص الدعوى التي أقيمت أمام محكمة فدرالية أميركية في سان فرانسيسكو، اتهم تطبيق التراسل الشهير المجموعة الإسرائيلية بـ «تسهيل سلسلة من عمليات القرصنة الحكومية في 20 دولة».
أما تويتر، فقد أعلن عن إغلاق آلاف الحسابات المرتبطة بحكومات أجنبية والمتهمة بنشر أخبار كاذبة على السوشال ميديا. وفي خطوة تشكّل تهديداً سافراً لحرية التعبير ومثالاً فاقعاً على النفاق الأميركي، اختطف جوليان أسانج (48 عاماً) في 11 نيسان (أبريل) 2019 على يد الشرطة البريطانية من سفارة الإكوادور في لندن حيث كان يقيم منذ عام 2012 في بضعة أمتار مربّعة خشية اعتقاله في بريطانيا وتسليمه إلى الولايات المتحدة لمحاكمته في «جرائم» الكشف عن آلاف الوثائق السرية، فيما كانت السفارة الإكوادورية تحكم الخناق عليه شيئاً فشيئاً بسبب «انزعاج» كيتو من مواقفه. تبع ذلك إرجاء القضاء البريطاني جلسة الاستماع الخاصة بالنظر في إمكانية تسليم مؤسّس «ويكيليكس» إلى واشنطن حتى 25 شباط (فبراير) 2020، على أن تستغرق خمسة أيام على الأقل. بعدها، حصد القرصان الأسترالي جائزة داني شيشتر للرؤية العالمية للصحافيين والناشطين لعام 2019 التي تمنحها مؤسسة The Global Center غير الربحية.
ولا يزال التحرّش محط اهتمام كبير من قبل هوليوود والميديا الغربية. ففي وقت توصّل فيه المنتج الأميركي هارفي واينستين إلى تسوية مبدئية بقيمة 25 مليون دولار مع عشرات النساء اللواتي اتهمنه بالتحرّش الجنسي، يواجه الرجل البالغ 67 عاماً دعاوى جديدة من هذا القبيل. على خطٍ موازٍ، أحدث وثائقي Leaving Neverland (إخراج دان ريد ــ 4 ساعات ــ مؤلّف من جزءين) زوبعة إعلامية لم تهدأ حتى اليوم. الشريط الذي عرضته القناة الرابعة البريطانية وشبكة HBO الأميركية، يسلّط الضوء على روايتَيْ ويد روبسون وجيمس سيفشاك اللذين يزعمان بأنّ نجم البوب الأميركي الراحل مايكل جاكسون (1958 ــ 2009) اعتدى عليهما جنسياً في طفولتهما.
من ناحيته، غرق مغني الـ R&B الأميركي آر. كيلي في سيل من القضايا الجديدة المتعلّقة بالتحرّش الجنسي، سيّما بالقاصرات، بعيد وقت قصير من بثّ شبكة «لايف تايم» التلفزيونية سلسلة وثائقية مدّتها ست ساعات بعنوان Surviving R Kelly (النجاة من آر كيلي)، اتهمته فيها كثيرات بسوء السلوك الجنسي والاعتداء الجنسي عليهن، ما دفع نجمات أمثال ليدي غاغا وسيلين ديون إلى إعلان وقف التعامل معه وحذف أغنياتهن المشتركة معه من منصات الاستماع والمشاهدة الإلكترونية.
بعيداً من التحرّش، وجّه القضاء الأميركي في آذار (مارس) اتهامات إلى خمسين شخصاً بينهم الممثلتان الأميركيتان فيليسيتي هافمان (56 عاماً) ولوري لافلين (54 عاماً)، بالضلوع في فضيحة دفع رشاوى لوسطاء بغية الحصول على مقاعد لأبنائهم في جامعات عريقة في البلاد. وفي تشرين الأوّل (أكتوبر)، نفّذت هافمان عقوبة السجن لمدة 14 يوماً الصادرة في حقّها.
عام 2019، شهد أيضاً حرباً من نوع آخر. إنّها حرب الـ «ستريمينغ» التي تشهد حالياً أعنف معاركها. في وقت غيّرت فيه منصات البثّ عبر تقنية التدفّق الإلكتروني قواعد اللعبة التلفزيونية وأساليب المشاهدة، شهدنا ولادة شبكات جديدة تضع كلّ ثقلها للفوز برضى الجمهور. شركة «ستاتيستا» الألمانية المتخصّصة في الإحصاءات، لفتت إلى أنّ عائدات منصّات الـ «ستريمينغ» عالمياً في العام المنصرم بلغت 24.771 مليار دولار أميركي، متوقّعة أنّ يسجّل هذا الرقم نموّاً بنسبة 3.2 في المئة، ليصل في عام 2023 إلى 28.151 مليوناً. بناءً على هذه القاعدة، وُلدت في الأوّل من تشرين الثاني (نوفمبر) منصة + Apple TV، قبل أن تتبعها +Disney، على أن تحمل الأشهر المقبلة منصتَيْن أميركيتَيْن جديديتَيْن، هما: Peacock (من «كومباست»)، وHBO Max (من AT&T).
وفي سياق منفصل، تجدر الإشارة إلى اختيار رولا خلف كأوّل امرأة تتولى رئاسة تحرير صحيفة «فايننشال تايمز» البريطانية منذ بدء صدورها قبل 131 عاماً. هكذا، خلفت الصحافية اللبنانية ــ البريطانية ليونيل باربر الذي أعلن أنّه سيترك منصبه في شهر كانون الثاني (يناير) الحالي، وانضمت في الوقت نفسه إلى كاثرين فاينر، رئيسة تحرير صحيفة الـ «غارديان» البريطانية، لتكون ضمن قلّة من النساء اللواتي يتولين رئاسة تحرير صحف كبرى في المملكة المتحدة.