ليست المرة الأولى التي يُشغل فيها السوريون على مواقع التواصل الاجتماعي بشريط مصوّر يسيل الأحمر فيه. لكن الجديد هذه المرة أن الأحمرَ هنا هو عصير الرُّمَّان لا «عصير الإنسان». من هذه الزاوية ربما أمكن فهمُ الحفاوة الزائدة التي قوبل بها شريط «احتفالية عصير أبو شاكر» الذي نُشر على يوتيوب مساء الخميس، ليحقّق حتى صباح أمس قرابة 12000 مُشاهدة. الشريطُ الذي أُنجز بأسلوب توثيقي احترافي كان مبادرة من ابنٍ أرادَ أن يرسم ابتسامة على وجه أبيه، فرسمها على وجوه الكثير من السوريين.
يروي «الفيلم» حكاية المحلّ الأشهر لبيع «الكوكتيل» في دمشق، وربما في سوريا. خلال 60 عاماً، تحوّل المحل إلى جزء من التراث الدمشقي. الموسيقى والغناء كانا حاضرين في الاحتفالية، فأضفى صوت غيث منصور دفئاً آسراً، خصوصاً مع الاختيارات الموفقة في ما غنّاه كـ«على الله تعود» (للراحل وديع الصافي). ثم «زرعنا تلالك يا بلادي» (إيلي شويري). على وقع ذلك الدفء، وبتداخل مونتاجي ذكي، استعرض أبو شاكر تجربته بتلقائية محبّبة، مفتخراً بإنجازه الذي كرّس حياته له. كان الرجل «قائداً» ناجحاً، و«مفبركاً» محترماً وغير مؤذٍ. يُخبرنا بخفة ظلّ كيف توفي والده «سنة التلاتا وستين، هو وجون كينيدي بفرد نهار واحد»، مُردفاً «وتسلمت القيادة لحالي لها اللحظة». يُقدّم أبو شاكر درساً في التسويق، حين يروي كيف كان والده ينهاه عن القول إن ثمن كوب العصير عشرة قروش «ليش عم تقلّو عشرة؟ قلّو فرنكين حتى تطلع بسيطة». أما حين ينتقل أبو شاكر إلى الحديث عن دمشق، يكتسب كلامه بُعداً جديداً. بمزيج من الشغف والنشوة، والألم الخفي، يلخّص الرجل علاقته بمدينته «ما في متل الشام، والله إذا بيقولولي خود ملك الدنيا واطلع برة الشام ما بطلع». قبل أن يتحوّل إلى لسانِ حالٍ لكثير من السوريين «خلقت فيها، وربيت فيها، وبموت فيها». ثم تمتزج الضحكة بالدمعة مع جملة «والحمد لله». يطغى صوت غيث منصور «بلدي... آه يا بلدي» مع صور لسوريين من مختلف المشارب يحتفلون بالعيد الستين لـ«أبو شاكر». تضافرت جهودٌ احترافية في صناعة الوثائقي. قام بإخراجه يزيد السيد، والإنتاج الموسيقي لآري جان سرحان، خالد رزق، ويحيى تللو، إضافة إلى مشاركة 9 عازفين وعازفات وعدد كبير من الفنيين.
«احتفالية أبو شاكر» (11د) يصلح وثيقةً فنية بجدارة. ليس بـ«المواضيع الكبرى» وحدَها تحيا الأفلام. ولا شكّ في أن اليد التي تستخدم السكين لتقطيع الفاكهة، وتحويلها إلى «كوكتيل» متجانس، هي اليد التي تستحق التقدير، لا الأيدي التي تُمعن في إفساد «الكوكتيل» السوري العريق الذي كان (وتباً للأفعال الماضية الناقصة) قبل سنوات عصيّاً على كل أنواع السكاكين.