يُنسب للمخرج والمنتج السوري بسّام الملّا أنّه أسّس الدراما الشامية عندما قدّم «أيّام شامية» (كتابة أكرم شريم ــ 1992)، وأتبعه بسلسلة من الأعمال المشابهة حتى وصل إلى «باب الحارة» الذي يحتمل جزءاً يسيراً من مسؤولية العبث بتاريخ دمشق، ولو بشكل غير مقصود أو غير مسؤول. فعلياً، كان الموضوع أكثر انفتاحاً وتعبيراً منطقياً عن حقيقة الشام من هذا النوع الأصولي، عندما قدّم معلّم السيناريو الراحل نهاد قلعي أعمال بيئة شامية بشراكة الكوميديان الكبير دريد لحّام. حينها، كانت مديرة «فندق صحّ النوم» تُدعى «فطوم حيص بيص» لا يضيرها حبّها للصحافي «حسني البورظان» (نهاد قلعي) ولا معاناتها من مقالب «غوّار» (دريد لحّام). وفي النهاية، لم تتزوّج سوى شغّيلها الدرويش «ياسينو» (ياسين بقّوش). قُدّمت بعد ذلك تجارب شامية أقلّ شهرة مثل «أبو كامل» (كتابة فؤاد شربتجي، وإخراج علاء الدين كوكش ــ 1990) إلى أن أعاد الملّا طرح هذا النوع، وفق قالب شعبي ساذج راق للجمهور الذي يتعاطى مع الشاشة الصغيرة على أنّها حالة ترفيهية فقط، لا يمكن تحميلها أي مضامين أو قيم فنية! هذا ما جعل العمل الشامي يصبح مطلباً ملحّاً للمحطات التي ـــ إن لم تشتغل وفق خطط همّها تسطيح ذائقة الجمهور ــــ ستعمل حتماً على مزاج المعلن. مع ذلك، يتعاطى النقد مع هذه الأعمال على أنها مجرّد نوع، لكن ما حصل أنّ ما صنعه الملّا قلّده كثيرون، فأُطلقت السهام على آلية إنتاج دراما شامية مستنسخة تنجَز بالكيلو وتباع بالجملة، خصوصاً أنّ صناعة الدراما على مستوى العالم، وصلت إلى أعلى درجات التكثيف، إلى درجة نشاهد فيها الحكاية تقدّم كاملة على منصة إلكترونية وعلى مدار ساعات زمنية قليلة. مع ذلك، ظلّت بعض الأعمال الشامية حالة استثنائية كونها غيّرت شكل المعادلة وقدّمت خليطاً من توثيق وترفيه، منها «الحصرم الشامي» (كتابة فؤاد حميرة، وإخراج سيف الدين السبيعي ــ 2007). كما في كلّ عام، ستكون الأعمال الشامية حاضرة بقوّة في رمضان المقبل على الفضائيات العربية تماشياً مع ما سبق ذكره. جميع هذه الأعمال تصبّ في خانة المتخيّل الحكائي الافتراضي، وتقدّم حكايات شعبية بسيطة، بهدف التسلية وإن كان صنّاعها سيأخذون في الاعتبار التخفيف من المبالغات وسحب الخناجر، والعنتريات الزائفة، بعدما صارت مادّة للتندّر والسخرية بالنسبة إلى جمهور هذه الأعمال. «العربجي» (كتابة عثمان جحى، وإخراج سمير حسين، وإنتاج «غولدن لاين») سيكون أوّل هذه المسلسلات. وفق ما يقول كاتب العمل عثمان جحى في حديثه مع «الأخبار»، العربجي هو «الشخص الذي يملك «الحنتور»، وهي وسيلة النقل المعتمدة في تلك المرحلة». أما عن جوهر المسلسل الحكائي وبنية القصة، فيقول حجى: «تدور أحداث الحكاية في حارة شامية قديمة تسمى «النشواتية» وهي مسرح الحدث الرئيس الذي تجري فيه توليفة منطقية غير مبالغ فيها يدور زمنها في مطلع القرن الماضي، لتروي سيرة أبناء عائلة «النشواتي» وهم يمتلكون إحدى حارات دمشق. يقع خلاف بينهم، ويدخل «العربجي» ليُحدث انقلاباً جذرياً، ويسيطر على الحارة، قبل حدوث مجريات مهمّة يفترض أن تخلق دهشة المشاهد وتصوغ جاذبية عالية». والعمل سيكون من بطولة باسم ياخور وكاريس بشّار، فيما يُفترض أن ينطلق التصوير خلال الأيّام القليلة المقبلة.من ناحيته، يتحضّر المخرج مؤمن الملّا لمباشرة تصوير مسلسله «سوق النسوان» (عن فكرة للمخرج بسام الملّا، سيناريو وحوار حنان حسين المهرجي، إخراج مؤمن الملّا، إنتاج «ميسلون» لصالح mbc). بحسب الجهة المنتجة، سيكون العمل اجتماعياً لا دراما بيئة شامية كما جرت العادة، وسيتناول الفترة الممتدة بين عامَيْ 1950 و1960، مسلّطاً الضوء على حالات إنسانية واجتماعية سورية. على مدار مجموعة أجزاء متلاحقة، سيعيش بطل الحكاية تراتبية تقليدية لها علاقة بقصص حب واغتراب عن أهله وانتماء لمكانه. حتى الآن، لم يُحسم أمر الأبطال المشاركين في المسلسل بعدما اعتذرت سلافة معمار عن عدم أداء الدور لأسباب مادية، فيما يتم التفاوض مع مجموعة ممثلين لبطولة هذا العمل من بينهم فادي صبيح.
على طرف مقابل، باشر المخرج محمد زهير رجب تصوير مشاهد مسلسله الشامي الجديد «بروكار» (تأليف سمير هزيم، وإنتاج «قبنّض») الذي يتشارك بطولته عبد الهادي الصبّاغ، وسلمى المصري، ونادين خوري، وزهير رمضان، وسعد مينه، ويزن الخليل، وقاسم ملحو، وعلاء قاسم، وزينة بارفاي. بحسب كاتبه، يختلف العمل عمّا قُدّم سابقاً من دراما شامية، كونه خلطة معاصرة وقديمة تنأى بنفسها عن المصطلحات التي تمّ تكريسها في هذا النوع من الأعمال سابقاً، فيما سيكون للحكواتي حصة جيدة في حكاية تدور أحداثها في أربعينيات القرن الماضي وتحكي عن كواليس صناعة «البروكار» الشامي خلال تلك الحقبة الزمنية التي كانت تزدهر فيها بعض الصناعات المحلية، مع محاولة أحد المهندسين الفرنسيين سرقة هذه الصناعة والخروج بأخرى بديلة للقضاء على الصنعة الوطنية. في حديثه مع «الأخبار»، يقول سمير هزيم إنّ المسلسل ينطلق من «مهنة نسج البروكار بخيوطه الثلاثة الرئيسية: خيط الذهب، وخيط الفضة، وخيط الحرير الطبيعي... هذه المهنة هي انعكاس رمزي لحالة التنوّع في المجتمع السوري. وهو سيقدّم روايته من خلال مجموعة شخصيات أهمها «أبو النور» (عبد الهاي الصباغ) تاجر خيط الذهب والزعيم الأكثر شعبية في الحارة، الذي تتعرّض أسرته لهزّة شديدة على خلفية شائعة تنال من شرف زوجته.
يتحضّر مؤمن الملّا لتصوير مسلسله الذي سيتناول الفترة الممتدة بين عامَيْ 1950 و1960

أما «عزمي بيك» (زهير رمضان)، فهو الزعيم الأقل شعبية في الحارة والسياسي المخضرم الذي ينتمي إلى الكتلة الوطنية. يؤخذ عليه أنّه سرق مال شقيقه «الهمشري» الذي يجسّد دوره سعد مينه، فيما تكون «بثينة» (زينة بارافي) محور القصة وكلّ شيء يدور من أحداث هو على ضفاف شخصيتها».
أما عن البنية الدرامية، فيقول الكاتب إنّ «الحكاية الأساسية تأتي جرّاء فعل يحاول بعض الجنود الفرنسيين القيام به انتقاماً من أفعال «الهمشري»... فتحدث جريمة غامضة يعجز الجميع عن كشف لغزها، لتتفاعل الأحداث إلى النهاية». في هذا السياق، يوضح هزيم أنّ مسلسله «ليس توثيقاً للعادات والتقاليد الشامية، إنّما دراما فولكلورية في بعض جوانبها من حيث الملابس ومواقع التصوير فقط... أما التفاصيل، فهي من خيال الكاتب معتمداً على بعض الوقائع من أجل تحديد زمن العمل». ويضيف: «تدور الأحداث في فترة تشكيل حكومة المديرين برئاسة بهيج الخطيب، أي في عام 1942. حادثة المهندس «جاك» وسرقته لمهنة البروكار ومحاولة استبدالها بصناعة فرنسية بديلة هي الجاكار ليست بالضرورة واقعية، لكن الثابت أنّها حدثت خلال فترة الاحتلال الفرنسي».