في محاولة لتعريف الجمال بعبارات ملموسة، يقول شيلر إنّ «الشيء الجميل ليس مجرد حياة ولا هو مجرد شكل، وإنما شكلٌ حي». والشكل الحي مرادف لما ينجزه حسن حجاج (1961)، عبر اشتغال فكري ويدوي يدمج العناصر الفولكلورية الخاصة بأفريقيا الشمالية، وسمات المجتمع الاستهلاكي في فضاء احتفالي مبهج يعجّ بالصخب والتدافع البصري والحسي.
ولد المصمم والمصوّر المغربي في مدينة العرائش، وانتقل إلى لندن خلال المراهقة. صقل موهبته عبر الاحتكاك بثقافة النوادي البريطانية، وعمل في العديد من المجالات: من البستنة إلى التصوير التجاري وتصميم الأثاث والأقمشة. انغمس في عالم الهيب هوب وأنغام الريغي حين كان بائعاً للأسطوانات. بعدها، وضع مدخراته في امتلاك متجر للملابس في سوق «كوفنت غاردن» في لندن، وهي منطقة تعبّر عن روح لندن العصرية وتؤثر بشكل كبير في السوق الأوروبية للموضة. سرعان ما لفت أسلوب حجاج الانتباه بطابعه المميز الذي يستعيد العلامات التجارية العالمية وموتيفات الدعاية والمجلات لابتكار سلع هجينة مثل شباشب louis vuitton، وجلابيب مشبعة بالشعارات في مجال التصميم الغرافيكي والـ«بوب آرت».
وكما يقول المثل الشعبي الأميركي Shop till you drop (فلتتبضع حتى تسقط ميتاً من الإنهاك)، فهذه الحضارة التي تستهلك كل شيء وتوظف كل شيء وتبدد كل شيء يضعها حجاج في موازاة الحياة اليومية المغربية، فاتحاً الباب أمام جدل طويل حول خصوصية العلاقة بين الغرب وبلدان أفريقيا الشمالية من منظور هوية الذات والآخر.
العودة إلى تجاربه منذ الثمانينيات تضعنا أمام اشتغاله الفوتوغرافي على الشوارع المغربية التي شكّلت ركيزة فنّه بكلّ ما فيها من ألوان وحيوية وفوضوية. أدوات حجاج لا تقف عند حد يمكن التنبؤ به. هو يحوّل كل ما تقع عليه عيناه إلى تقنية: أرقام، حروف، فوتوغراف قديم، علامات الطريق، صناديق الكوكا كولا، صابون زيت الزيتون، علب الطماطم، حليب «نيدو»، بطارية، إطار درّاجة، منظّف «برسيل»... مزيج من «الكيتش» يحتفي بالبهجة العابرة من خلال توليفات بصرية تلتقط التفاصيل والجزئيات البسيطة، وتدعو إلى رؤية الجمال في كل شيء. لا يخلو الأمر من محاكاة هزلية وتركيز على الصور الحيوية المتناقضة، فنراه يستبدل شعار الفهد الأميركي puma بشعار حمار، أو يقوم بطلاء بوفيه قديم بلون نيون صارخ ليحوّل أثاث الجدّات إلى تحف فنية على طراز البوب.
سنوات من السفر والتوثيق ساعدت حجاج على دمج المعلومات التي اكتسبها بأحدث التقنيات لخلق نظرة فريدة إلى تصميم الغرافيك. بعدما زار أحد معارضه، أطلق عليه الفنان رشيد طه لقب «آندي wahloo» في إشارة مزدوجة إلى آندي وارهول، أبي الـ«بوب آرت» وكلمة «والو» التي تحيل في القاموس الشعبي المغربي والفرنسي إلى عبارة «لا شيء». اقترن هذا الاسم بعدئذ بمطعم باريسي زخرفه حجاج عام 2003 بأسلوبه في الدمج بين الموروث الشعبي والماركات التجارية وتوظيف المهمل والمهمش باستخدام مواد معاد تدويرها.
استطاع فنه أن يحظى بشعبية ويصل إلى الفضاءات الشهيرة في لندن وباريس والمغرب. صمم أخيراً مجموعة للأزياء الرجالية والنسائية الجريئة بالتعاون مع المصمم المغربي أمين درويش، واستورد أقمشة من باماكو بهدف تصوير فيديو «نجوم موسيقى الروك: المجلد 1».
ويبدو أنّ عام 2014 بدأ بجدول مزدحم باللقاءات والمعارض. في «متحف لوس أنجلس للفن»، يقدم حجاج حتى تموز (يوليو) فيديو «نجوم موسيقى الروك: المجلد 2» الذي يعاين مكونات المجتمع المغربي ويحلّل مفهوم الهوية في واقعنا الراهن عبر تصوير موسيقيين، ومصممين وملاكمين بأزياء البوب في خلفيات للشوارع وللأسواق الشعبية. كما اختتم معرضه في «غاليري تايمور غراني» في نيويورك، حيث قدّم مجموعته kesh Angels. استئناف لمشروعه التصويري عن الفتيات المغربيات اللواتي يركبن الدراجات النارية بجلابيبهن المسرفة في الزخرفة وأكسسواراتهن الكرنفالية.
أما الحدث المنتظر فهو توقيع كتابه الأول «حسن حجاج: فوتوغرافيا، موضة، فيلم، تصميم» (راجع الكادر) في غاليري «روز عيسى» في لندن يوم 13 آذار (مارس). ابن جيل الـ«بوب آرت» يغرف من الثقافة الشعبية للمجتمع الاستهلاكي بمهارة حرفية نادرة وحسّ متمرس، ليبتكر تجاورات بصريّة مليئة بالتناقضات. الاحتمالات غير المحدودة للعلاقة بين القديم والحديث تترك المجال أمام المتلقي لإيجاد الإجابات وطرح الأسئلة.

توقيع كتاب حسن حجاج: 13 آذار (مارس) ــ «غاليري روز عيسى» (لندن) ـ http://www.roseissa.com




نصوص وصور

يقول حسن حجاج عن كتابه الجديد «يتعلق المشروع بنشر أفضل أعمالي في السنوات العشر الماضية. إنه كتاب لطاولة القهوة نوعاً ما، يتحدث عن تصاميمي وفيلمي وتصويري وأعمالي الفنية». العمل الذي شاركَت في تحريره كاتيا هاديديان، يضمّ أيضاً نصوصاً لمارتن بارنز (متحف فيكتوريا وألبرت)، ليندا كوماروف (متحف لوس أنجلس للفن)، جيسي فندر (نيويوركر) وميترا أباسبور (متحف نيويورك للفن الحديث)