لم يعرف لبنان في تاريخه موسيقياً كلاسيكياً أغزر وأنشط من عازفة البيانو اللبنانية الأوكرانية تاتيانا بريماك ــ خوري. هذه الجملة تحتاج الى بعض الشرح. الأداء الكلاسيكي عمره قرون. صيغته الحالية تعود إلى القرن التاسع عشر. والمقصود بذلك تبلوره كمهنة موسيقية مستقلة ومحدّدة. قديماً، كان العازف (وهو بالضرورة مؤلّف) يؤدي أعماله أمام جمهورٍ خاصّ (الكنائس والأوساط الأرستقراطية). ثم تمّ ابتكار فكرة الأمسية العامة المفتوحة للجمهور. وعندما تراكمت الأعمال الموسيقية، فرَضَت تفرعاً وتفرّغاً بحسب كل آلة (البيانو أولاً) أو مجموعة آلات.
أما اختراع تقنية التسجيل وحفظ الصوت، فكرّسا هذه المهنة نهائياً.
في لبنان، لا يمكن الكلام عن هذا المجال الفني قبل النصف الثاني من القرن الماضي، أو حتى الربع الأخير منه. هكذا، ازداد عدد العازفين المنفردين مع الوقت، وكان الاتجاه بشكلٍ شبه حصري نحو البيانو.
إذاً، هذا التاريخ من علاقة لبنان بالأداء، أو العزف على البيانو تحديداً، تتربع على رأسه اليوم تاتيانا خوري لناحية وتيرة الأمسيات واتساع الريبرتوار ومستوى العزف، مع الإشارة إلى أن المقصود بهذه الملاحظة النشاط المحلّي وليس جنسية الموسيقيين (أي أنها لا تشمل المهاجرين). أمّا المقصود بالغزارة والنشاط، فهو العدد الاستثنائي للأمسيات التي تقدّمها بريماك ــ خوري في لبنان، معطوفاً على تنوّع الريبرتوار واختلاف محتوى البرامج في كل مرّة. على سبيل المثال: منذ أسبوعين، قدّمَت أمسية عزفٍ منفرِد أدّت خلالها بيتهوفن ورخمانينوف وشوبان. مساء اليوم، يرافقها في أخرىQuatuor Musique del Tempo، وعلى البرنامج عملان من فئة كونشرتو البيانو لباخ. هكذا هي شعوب أوروبا الشرقية. تربّت على التعب وعرفت معناه. لتاتيانا عائلة وولدان ومهنة من أصعب المهن وأسماها في المجتمع (وأدناها دخلاً في لبنان). ورغم ذلك، لا تقصير على أيّ من الأصعدة. أضف إلى ذلك سكنها في طرابلس ذات البيئة المستجِدَّة المنهِكة نفسيّاً لهذه الطينة من الناس.
كتب باخ 7 كونشرتوهات للكلافسان وأوركسترا الوتريات. البعض يستبدل آلة الكلافسان بالبيانو. لذا نجد اليوم تسجيلات لهذه الأعمال بالشكلين الأصلي والبديل المشروع. من هذه المجموعة، اختارت تاتيانا الأول والأخير.
الأخير هو من الأجمل بين أشقائه، والأول يتخطى جميع «أفراد العائلة».
شكلهما كلاسيكي، إذ يتألفان من ثلاث حركات (سريعة _ بطيئة _ سريعة)، والمرجع المطلق في أدائهما يحمل توقيع العبقري (اللجوء إلى هذه الصفة اضطراري هنا) الكندي غلان غولد، الذي سجّل كل أعمال هذه الفئة باستثناء الـرقم 6.



تاتيانا بريماك ــ خوري: 20:30 مساء اليوم ـــ «كاتدرائية مار لويس» (باب ادريس ــ بيروت) ــ للاستعلام: 644987/09