انشغل الاعلام أخيراً بمعركة من بطولة أغنيتين. انطلقت المعركة من مواقع التواصل الاجتماعي، بعدما رأى البعض في «احسم نصرك في يبرود» (للمنشد اللبناني علي بركات) تحريضاً مذهبيّاً، ليتبنى إعلاميون معارضون ومواقع وصحف داعمة لهم الفكرة، وتتحول الأغنية إلى «دليل على طائفية «حزب الله»». وذهبت التقارير إلى ترويج شائعة أنّ «المنار» بثّت الأغنية، وهذا ليس صحيحاً. تفاعلت القضية مع قيام مغنٍّ مجهول بتسجيل أغنية «احفر قبرك في يبرود» ردّاً على بركات.
لاحقاً، أصدر المنشد اللبناني بياناً أكّد فيه أنّ «النشيد لا علاقة له بأيّ معنى مذهبي أو طائفي، بل هو موجّه حصراً ضدّ الجماعات التكفيرية». لكن البيان لم يحظ بالانتشار الذي حظيت به الأغنية، لا من قبل مهاجمي «حزب الله» الذين اعتبروه مسؤولاً عن الأغنية، ولا المدافعين عنه الذين اختاروا في دفاعهم الانطلاق من نفي علاقة الحزب بالأغنية، على طريقة المحامي الذي يحاول إثبات وجود موكله في مكان آخر غير مكان حصول الجريمة. لكن، هل وقعت الجريمة فعلاً؟ هل الأغنية مذهبية تحريضية؟ ينقسم الخطاب داخل الأغنية إلى مستويين: الأولّ موجّه إلى مقاتلي الحزب في سوريا عبر مفردة «مقاوم»، وهي ليست مذهبية طبعاً (يا مقاوم روح الله معك). ويقتصر هذا الخطاب على لازمة «احسم نصرك في يبرود». ويخاطب الثاني الآخر/ العدو عبر مفردات «تكفيري، جيش الإرهاب، إرهابي». واحتوى الخطاب على مضمونين: الأول «التأكيد على الصمود» عبر «نتحدى الموت وما نهاب». أما المضمون الثاني فهو تهديد «التكفيري/ الإرهابي» عبر «احذر يا جيش الإرهاب زمن الهزائم قد ولّى، حطمنا جيش اليهود وهلأ دورك بيبرود». هي جملة رأى المهاجمون أنها تُماهي بين اليهود وبين سكان يبرود، لكن الكاف تعود على المخصوص بالخطاب، وهو هنا «جيش الإرهاب». كذلك؛ رأى المهاجمون أن الأغنية تهدد أهالي عرسال عبر «يا تكفيري مهما طال، حزب الله راسك بيطال. ما تفكر إنو الشمال يحمي وجودك أو عرسال». وهو معنى لطالما ردده سياسيون لبنانيون من المعسكر المناوئ لـ «حزب الله»، مؤكدين أنّ «أهالي عرسال لا يأخذون على عاتقهم حماية التكفيريين». الإشارات الدينية والطائفية حضرت في الأغنية مرتين: الأولى «حطمنا جيش اليهود»، وهو معنى يماهي بين اليهود وبين الكيان الإسرائيلي. أما الثانية فـ «بهمة حيدر داح الباب» وهي جملة تُحيل إلى حادثة «فتح خيبر» الذي كان العدو فيها «جيش اليهود». يبدو موقف مهاجمي الأغنية تكراراً للأخذ والرد بين الأفرقاء السياسيين. كلمات الأغنية شديدة الالتصاق بالخطاب المعلن لـ «حزب الله» وحليفه السوري بأنّ معركته موجهة ضدّ التكفيريين من دون أن ينجرّ إلى المذهبية. لكن المعسكر الآخر دأب على التأكيد بأنّ «لدى النظام و«حزب الله» أجندة طائفية ولو مضمرة»، مشرعناً بذلك الرد عبر تحريض طائفي علني. كما أخذ أصحاب هذا المعسكر على عاتقهم نفي صفة المقاومة عن الحزب. الطريقة ذاتها، استخدمتها الأغنية المضادة (احفر قبرك في يبرود)، حيث حضر الدم، والرؤوس المقطوعة: «يا ضاحية الذلّ انتظري أشلاء وبدون رؤوس. صبّي الدمع وثم اعتبري من يبرود ومن رنكوس». حسناً؛ النار موجودة، والزيت أيضاً. وهما حتماً لم يكونا في انتظار «يبرود».