لا تتوانى لارا زنقول (1987) عن تخطّي الحالات البشرية الظاهرة بكاميرتها. في معرضها الفردي الثاني «غير المرئي» الذي تحتضنه «غاليري أيام»، تكمل الفنانة الفوتوغرافية الشابة ما بدأته في معرضها «أعماق»، لتظهير عمق الواقع المعيش انطلاقاً من رؤية وفضاء حلميين. مشروعها الجديد يضمّ 12 صورة يوحّدها عنصر الماء، الذي تستخدمه كخط فاصل بين الواقع والخيال، والباطن والظاهر، وعين الخارج والداخل. هكذا تظهر كل صورة وجهين لحالة ما: واحدة واقعية ظاهرة، وأخرى تحت واقعية أو مخفية.
في أكواريوم ماء كبير، وضعت المصوّرة موديلاتها وشخوصها أمام خلفية موحّدة هي حائط منزل، وعملت على إظهار التناقض بين ما تحت الماء وما فوقه. وإلى جانب الماء الذي يمثل عنصراً أساسياً في صور لارا منذ معرضها الأول، تجمع الإضاءة والألوان الخافتة أعمالها: التدرجات الفاتحة للأصفر والأزرق والأخضر والزهري، التي استخدمت الفوتوشوب لتحسينها بالرغم من ابتعادها عن هذه التقنية على صعيد الديكور. هذه الألوان تحديداً تذكّرنا بتلك التي تفرضها التقنيات والآلات الحديثة على مواقع التواصل الاجتماعي مثل الانستغرام. الألوان كما أشخاص لارا زنقول وثيابهم، يصبحون مكتملين لفرط حلميتهم. كما تسعى إلى كماليّة جاهزة لفضاء الصورة، بحيث لا تفرض الحالة جوّاً وألواناً محددة مبنيّة على مفهوم اللقطة. هندست زنقول واقعها الخاص ورؤاها وهواجسها كي تخرج بالصورة الأمثل، انطلاقاً من قاعدة كل ما هو غير واقعي هو حتماً جميل ومسالِم، وهذه أحد تنميطات الحلم والطفولة.
تدور حالات زنقول في فضاء المجتمع وظواهره الجندرية، والطبقية، والنفسية المستهلكة. وإذا كانت قد تقصّدت كشف ما هو مخبّأ عن عين المجتمع، من حيث طرح هذه الثيمات، فهي لم تستطع تجاوز عين المجتمع نفسها. في «جانب أنثوي» يقف شاب في الماء، يغطي جسده العلوي قميص وربطة «بابيون» سوداء، فيما يلبس تنورة أنثوية من الأسفل. ولإظهار الجانب الأنثوي المخفي، لجأت زنقول إلى ترميز نمطي ومباشر للأنوثة، متمثل في التنورة، من دون الميل إلى خلق رمز خاص بصورها. هذا الترميز السائد أيضاً ينطبق على معظم صورها، منها «الأثرياء الجدد» التي تجمع رجلاً وامرأة. الجانب العلوي من الصورة، تشغله مقتنيات الأغنياء مثل قفازات المرأة، وسيجار الرجل وثيابهما، كذلك وظّفت الجانب العلوي من الحائط لخدمة وجه الغنى معلّقة عليه بعض اللوحات. أما تحت الماء، فحالة الحائط نفسه بائسة، وثياب الثنائي ممزقة في دلالة على الفقر النفسي، كما يغطي الجانب السفلي من الماء ضباب قاتم. من هنا تصلح ثيمة التناقضات لأن تكون عنواناً لمعرض زنقول، لكن هل نجحت لعبة ثنائية الأوجه في جميع الصور؟ في «مؤلم»، تقف فتاتان تمسك كل منهما يد الأخرى كدلالة على الصداقة والتآخي. وقد عززتها زنقول أيضاً بفستانيهما الأحمرين المتشابهين، كما وضعت قناعين على وجهيهما.
أما تحت الماء، فتحمل واحدة مقصاً وتقص فستان صديقتها من دون أن يمنعها هذا الفعل «القاسي» من الابتسام بوجهها في الأعلى، لكن الصورة التي يُفترض أن تحمل اختلافاً بين الجانبين، تفرغ التناقض من معناه كلياً. من جهة، وظّفت قناعي الفتاتين لخدمة وتبرير الفعل الذي تقوم به إحداهما في السرّ، مقلّصة الفارق بين ما هو ظاهر وما هو مخفي. أسلوب لارا زنقول يذكّرنا بالفوتوغرافية الأميركية الشابة بروك شادن، التي تلجأ إلى هذا النوع من التعبير الرومانسي والغامض للأعماق البشرية، بما يقترب من اللوحات أحياناً، وخصوصاً الأشخاص والثياب، لكن لارا وقعت في فخ الجمالية المفتعلة لناحية الألوان الجاهزة، والفضاءات والديكورات النموذجية.




«غير المرئي» للارا زنقول: حتى 30 آذار (مارس) _ «غاليري أيام» (وسط بيروت) _للاستعلام: 01/374450