(قد يحتوي النص على حرق للأحداث)عند الساعة العاشرة من مساء أمس بتوقيت بيروت، أطلقت «نتفليكس» مسلسلاً عربياً جديداً. جاء ذلك بعد أقل من شهرين على الكشف عن عملها الدرامي الأوّل الناطق بالعربية «جن» (كتابة باسل غندور، إخراج أمين مطالقة وميرجان بو شعيا». ضمن استراتيجيتها التوسعيّة في أسواق وفضاءات لغوية وثقافية حول العالم من بينها الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (تحضّر لمجموعة كبيرة من المسلسلات الناطقة بلغة الضاد)، خرج العمل الأردني محاولاً محاكاة مسلسلات المراهقين الأميركية وتلك الدائرة في أجواء الغموض والفانتازيا الرائجة حالياً، خصوصاً عبر المنصات الأجنبية المتخصّصة في مجال بث المحتوى الترفيهي عبر تقنية التدفّق عبر الإنترنت (ستريمينغ). غير أنّ النتيجة جاءت مخيبة للآمال (الأخبار 17/6/2019).
في آذار (مارس) الماضي، انتهى المخرج السوري سامر البرقاوي من تصوير مسلسل «دولار» (مجموعة كتّاب بإشراف السيناريست المصري هشام هلال) الذي تنتجه «سيدرز آرت برودكشن ــ صبّاح إخوان». قبل ذلك، كانت الشركة قد أعلنت في خريف 2018 أنّ العمل الذي يتشارك بطولته اللبناني عادل كرم مع الجزائرية أمل بوشوشة «سيُعرض على محطات عدّة». لكن بعد فترة من الترقّب، حُسم الموضوع ووجد العمل المؤلف من 15 حلقة طريقه إلى «نتفليكس». تسنّى لـ «الأخبار» مشاهدة المسلسل قبل انطلاقته الرسمية في 191 دولة بـ 28 لغة. أحداث المسلسل الدرامي ــ الاجتماعي مفعمة باللايت كوميدي والتشويق، تدور حول تعاون «زينة» (أمل بوشوشة) التي تعمل مديرة مكتب رئيس مجلس إدارة أحد المصارف الجديدة في لبنان (أسعد رشدان) على مضض مع «طارق» الخلّاق في حقل الإعلانات والمعتدّ بنفسه، بغية تعقّب ورقة نقدية بقيمة دولار أميركي واحد من أجل ربح مليون دولار. تبدأ القصة حين يقدّم «طارق» فكرة تسويقية لافتة لافتتاح بنك جديد، إلا أنّه يثير حفيظة «زينة» الذكية والطموحة حين يصرّ على عرض اقتراحه على المدير على انفراد. بعدها، تتسارع الأحداث ليجد الاثنان نفسَيْهما عالقَيْن معاً في رحلة البحث عن الـ One Dollar، قبل أن يتحوّل مجرى العلاقة ولا يبقى الربح المادي هو هدفهما الوحيد. في كل حلقة، يخوض الثنائي «مغامرة» جديدة للعثور على الورقة النقدية، تتخلّلها عثرات ومواقف مضحكة بمشاركة أسماء لافتة شكّلت نقطة قوّة في المشروع، من بينهم: صفاء سلطان، وكارمن لبّس، وجوزيف بو نصّار، وعبّاس جعفر، وألين لحود، ومحمد شمص، وسولونج تراك، إلى جانب إطلالة خاصة لعبدو شاهين وأويس مخلّلاتي بشخصيتي «شاهين» و«صخر» اللتين اشتهرا فيهما في مسلسل «الهيبة».
ضمن الفئة التي ينتمي إليها «دولار»، تمكّن العمل من أداء المهمّة المرجوّة عادة من أعمال مماثلة. فهو يضمن تجربة مشاهدة مسليّة وممتعة مليئة بالتطوّرات المتسارعة، الأمر الذي لا يوقع الجمهور في دوّامة الملل، وإن كان هناك بعض الاستثناءات لناحية الإطالة في بعض الحلقات، كما حصل حين وقع الدولار في يد الأستاذ الجامعي (جوزيف بو نصّار) الذي قرّر إنهاء حياته بعد رحيل زوجته. الفكرة بحدّ ذاتها جذّابة، وشاهدنا شيئاً قريباً منها في المسلسل الأميركي One Dollar (لجايسون موسبرغ ــ CBS ــ 10 حلقات) الذي تجري أحداثه في مدينة صغيرة في فترة ما بعد الركود، حيث تربط ورقة نقدية بقيمة دولار واحد مجموعة من الشخصيات المتورطة في جريمة قتل مروّعة من خلال تنقلها من يد إلى أخرى، فترسم وجهة النظر المقدّمة في كل حلقة صورة لمدينة حديثة ذات انقسامات عميقة وثقافية تتكشف إلى العلن عندما تفضح الأسرار. مواضيع حلقات «دولار» منتقاة من الواقع كما أنّ الشخصيات حقيقية إلى حدّ بعيد، من الأم التي تعاني من أزمة نفسية بعد خسارة طفلها الوحيد، والشابة القادمة من الشام لتحقيق حلمها في برنامج مواهب بيروتي، وصولاً إلى الساحر المتجوّل الذي يسكن مع ابنته الصغيرة في فان يجول به المناطق بحثاً عن لقمة العيش، وبائع القهوة الذي تزوّج حبيبته ويواجه أهلها بعدما «أخذها خطيفة». هنا، لا يمكننا إغفال الشخصية التي أدّتها كارمن لبّس في العمل.



ببراعة معتادة ذهبت إلى حدّ الكاريكاتورية، جسّدت الممثلة اللبنانية دور امرأة ثرية ومطلقة تشجّع النساء «المعذّبات» على هجر أزواجهن، وتضمّهن إلى نادٍ خاص كما تقيم لهن احتفالات طلاق! بعد تعثّره في عرض الستاند ــ أب كوميدي «عادل كرم: مباشرة من بيروت» الذي عرضته «نتفليكس» في 2018، خطا عادل كرم في «دولار» إلى الأمام. بتلقائية وطبيعية مطلقتَيْن، لعب دور «طارق». فهو هنا في ملعبه، أي الشخصيات القريبة من الناس التي تتحدّث بلسانهم مع مواقف مضحكة وإيفيهات عهدناها منه في برامجه الساخرة منذ عقود. أما أمل بوشوشة، فسجّلت أداءً آمناً. قد تبدو الفنانة الجزائرية أضعف في الحلقات الأولى، لكنّها تعود وتستعيد سيطرتها على الدور لاحقاً، لا سيّما عندما نكتشف أنّ المبالغة مقصودة لتظهير عجرفة «زينة» وصراعاتها الداخلية لناحية إخفاء مشاعرها تجاه «طارق» ومشاكلها الشخصية. وبعدما نرصد ضعفاً في اللهجة اللبنانية أحياناً، نحصل على تبرير مع اقتراب «دولار» من نهايته حين ندرك أنّ الصبية الحسناء تتحدّث الجزائرية بطلاقة كونها مولودة لأب لبناني وأم جزائرية.
بعد «إيغل فيلمز»، ها هي شركة لبنانية أخرى تخوض تجربتها الأولى مع «نتفليكس» فيما تتطلع مستقبلاً لـ «إنتاج أعمال درامية تنسجم أعداد حلقاتها مع طبيعة موضوعاتها، وليس بحسب ما تطلبه المحطات أو شركات الإعلانات موسمياً، كما في موسم العرض الرمضاني»، وفق ما صرّح صادق الصبّاح منذ فترة. بطبيعة الحال، تنوي «صبّاح إخوان» وغيرها الإفادة من مساحة «حرية التعبير» المتوافرة عبر منصات الـ «ستريمينغ» الأجنبية، ناهيك بفرصة عرض المحتوى لـ 151 مليون مشترك حول العالم. البداية كانت موفقة، فكيف ستكون التجارب اللاحقة وأي مسارات درامية ستسلك؟