يطلق «نادي الرواد» غداً مبادرة بعنوان «تحرير الثقافة» تتضمن في مرحلتها الأولى سلسلة أنشطة تستمر ثلاثة أشهر. جاءت المبادرة كنتيجة لنضج تجربة النادي الذي عُني منذ إعادة إطلاقه قبل أكثر من عامين (توقف عن العمل عام 1987) بدعم ونشر وإنتاج «أعمال فنية وثقافية بديلة عن السائد»، بحسب تعريفه. بعدما نظّم سلسلة أنشطة تصبّ في الغاية نفسها: الاهتمام بالمشهد الثقافي البديل عن السائد، وتقديم مقاربة طبقية ــــ برزت بشكلٍ أساسي في جولة «المدينة ورأس المال» التي عنيت بتفكيك البعد الطبقي للحياة في بيروت ــــ استجمع «نادي الرواد» الأفكار التي غذّت هذه الأنشطة المتفرقة، في مبادرة واحدة تسعى إلى «تحرير الثقافة من البرجوازية»، أو بتعبير آخر من السائد. توضح المخططة المدينية والباحثة جنى نخال، أنّ المبادرة جاءت في الأساس من سؤالٍ عن «ماهية ثقافتنا» اليوم. أين نقف حالياً في ظل هيمنة ثقافية داخلياً وكذلك في ظلّ العولمة؟ ما هو الإنتاج الفكري والفني لدينا اليوم؟ وما هو تأثير الاستعمار على تاريخنا الثقافي أيضاً؟ أسئلة تهدف المبادرة إلى طرحها إلى جانب أسئلة أخرى حول ثقافة المنطقة ككل، على مستوى تاريخي، اجتماعي، اقتصادي وغيرها. نخال القائمة مع المخرج أشرف مطاوع على إطلاق المبادرة، تقول إن «تحرير الثقافة» يعني بالدرجة الأولى تحرير فكرنا ونظرتنا إلى نفسنا وتاريخنا، من الفكر والثقافة الاستعماريين من جهة، ومن سيطرة البرجوازية على تعريف هذه الثقافة، من جهة أخرى.
منذ عودته إلى النشاط، يقدم «نادي الرواد» مقاربة طبقية، وهو ألقى الضوء مراراً على كون الثقافة العامة هي ثقافة برجوازية، كما هو مهتم بإتاحة أدوات قراءة هذا الواقع وتفكيكه، وفي الوقت نفسه إبراز الأشخاص والأعمال الأخرى الذين يقدمون إنتاجاً ثقافياً وفنياً واجتماعياً مغايراً، لكنه مجهول من الشريحة الأوسع من الناس لأسباب عدة. في هذا الإطار، يبحث النادي عن الثقافة التي «تأتي من الناس»، وتحديداً من هؤلاء الذين لا يمتلكون أدوات الوصول إلى المعلومات أو إلى القنوات الثقافية المعتادة.
يعطي أشرف مطاوع مثالاً على سطوة البرجوازية على الثقافة، عبر التراث الشعبي في القرى. تريد المبادرة «فرز» الثقافة والبحث في مصدر الفنون والفكر الآتية من منابع أخرى، غير تلك السائدة التي يتم الترويج لها. كذلك، تركز المبادرة على نقد تلازم الثقافة بالنخبوية، وهي تسعى إلى فتح نقاش حول أن الثقافة ليست حكراً على نخب مدينية أو مجموعات لها سمة محددة. ويتساءل نخال ومطاوع لماذا لا نعتبر أغاني النقل العام جزءاً من الثقافة؟ كذلك ينطبق السؤال على ملصقات المناسبات الدينية والاجتماعية في القرى، وتخطيط اللافتات، وغيرهما من الأعمال التي غالباً ما يتم إقصاؤها من تعريفات الفن. تقول نخال إن واحدة من غايات المبادرة هي توسيع تعريف الفن بهدف تحريره من هذا الإطار المقيّد. في السياق نفسه، تطرح المبادرة سؤالاً عن الإنتاج المستقل في لبنان، وهنا تظهر مشكلة أخرى، مرتبطة بما يمكن تسميته احتكار المشهد الثقافي المحلي البديل. التمويل يحدّد بشكلٍ أساسي ما هو ثقافي وما هو غير ثقافي ضمن هذا المشهد، وهو الذي يمنح شرعية لإنتاجات معينة ويسحبها من أخرى.
التمويل يحدّد ما هو ثقافي وما هو غير ثقافي في المشهد اللبناني والعربي

بسبب ذلك، بات معظم الفنانين التشكيليين اللبنانيين، على سبيل المثال، غير قادرين على الدخول إلى المعارض الأساسية. حتى داخل المشهد المستقلّ، أصبح هناك أحادية، فغلب الاحتكار عليه، ما جعل من رضى بعض الجهات على الفنان ضوءاً أخضر لقبوله في الساحة الفنية البديلة. من هنا، يمكن القول إن عمل المبادرة هو أشبه بـ«البديل داخل البديل». يعترف النادي وأعضاؤه بتواضع قدرته وأدواته في ظلّ واقعٍ كهذا (وخصوصاً أنه لا يتلقى أي تمويل)، لكنه يأمل في إحداث خرق ولو بسيط في المشهد الثقافي، وتحديداً عبر إرجاع الثقافة إلى الناس، وإيصال الإنتاج الفكري والفني إليهم ومخاطبتهم في همومهم وحياتهم اليومية، وهو ما يتمّ بالضرورة عبر كسر المركزية المدينية من خلال تنظيم أنشطة خارج بيروت. هنا يتحدث مطاوع عن كون فيلم «شعور أكبر من الحب» الذي يفتتح أنشطة المبادرة غداً، بخلاف أعمال مستقلة كثيرة، تلقى تمويلاً ضئيلاً واستمر العمل عليه لنحو ست أو سبع سنوات. كما أن مخرجته، ماري جرمانوس سابا، اهتمت بعرضه في القرى، الأمر الذي قلّما يحصل في الإنتاجات السينمائية المحلية.
إلى ذلك، يهم نخال أيضاً طرح سؤال عن المنهجية التي تُستخدم لإنتاج الفكر والثقافة والفن، وعما أوصلنا إلى النتيجة التي نراها اليوم. في هذا الإطار، ستركز المبادرة على إبراز علاقة الميدان بالفكر، وهو ما تعمل عليه المبادرة ونشاطات النادي منذ البداية. فمعظم الفنانين يتجاهلون هذه العلاقة، ما يجعل من غالبية الإنتاجات الفنية منعزلة عن واقع الناس ومعيشتها. وتضيف نخال عند هذه النقطة إن غياب هذه العلاقة مرتبط أيضاً بضيق المجال أمام تقديم أي نقد عبر الأعمال الفنية، فكأن هناك من يريد فصل الفنّ عن الفكر عبر الامتناع عن تقديم أي عمل يحضّ على التفكير.
يعرف النادي وأعضاؤه أن هذا النوع من العمل ليس سهلاً، وهو بحاجة إلى طاقة وحماسة متواصلتين، كونه يتمحور حول إنتاج فكر جديد. أما الفكر السائد، على العكس، فهو يعيد إنتاج وتحديث نفسه بين فترةٍ وأخرى. المهمة صعبة، لكن المشروع مستمر، إذ إنه المهمة الأساسية لـ«نادي الرواد» بمعزل عن المبادرة الحالية، وفق ما تؤكد نخال ومطاوع اللذان يريان أنه مهما كانت النتيجة، فإنه سيتم البناء على هذه التجربة بشكل مستمر من أجل إحداث الخرق المنشود.



أنشطة المبادرة
الأربعاء ٧ آب ٢٠١٩ - ٨ مساءً - زيكو هاوس، الصنائع: عرض فيلم «شعور أكبر من الحب» للمخرجة ماري جرمانوس سابا
الأربعاء ١٤ آب ٢٠١٩ - ٧ مساءً - زيكو هاوس، الصنائع: ندوة «تحرير الثقافة» مع ثائر ديب وليلى الخطيب
السبت ٢٤ آب ٢٠١٩ - ورشة «كتابة إبداعية باللغة العربية» مع يسري الأمير (المكان يحدد لاحقاً)
السبت ٣١ آب ٢٠١٩ - مدينة صور : جولة المدينة والسلطة مع جنى نخال
أيلول: صفوف تعليم تطريز (المكان يحدد لاحقاً)
تشرين الأول: صفوف تعليم حياكة سجاد (المكان يحدد لاحقاً)