لم يكن الإعلام الخليجي يوماً بعيداً عن الأزمات المالية التي تضرب الصحافة بشكل عام. لكن بما أنّ غالبية وسائل الإعلام، تابعة مباشرة للحكّام والأمراء والملوك، فقد كانت تلك الأزمات أخفّ وطأة عليها من نظيرتها في العالم العربي. لكن يبدو أنّ أزمة الصحافة الورقية استحكمت في الخليج. ففي بداية العام الحالي، قرّرت الصحف الكويتية («القبس» و«الراي» و«الجريدة» و«الأنباء») الاحتجاب ورقياً ليوم واحد فقط. وأرجعت وكالة الأنباء الكويتية «كونا» أسباب الاحتجاب إلى أنه يندرج ضمن «إطار ترشيد النفقات العامة للصحف، بخاصة في ظلّ تراجع إيرادات الإعلانات وارتفاع كلفة الطبع».بعد أشهر على الخطوة الكويتية، جاء دور الصحف السعودية! إذ وجَّهت «الشركة الوطنية الموحّدة للتوزيع» (تأسست قبل أربعة عقود، وتستحوذ على توزيع أهم الصحف السعودية) أول من أمس خطاباً إلى مسؤولي المؤسسات الصحافية تعلمهم فيها بإيقاف توزيع الصحف الورقية في غالبية مدن المملكة بدءاً من الأول من تموز (يوليو) الحالي. وأرجعت القرار إلى «ارتفاع التكاليف في مقابل انخفاض الإيرادات، بالإضافة إلى عدم تحمّل تلك المؤسسات تكاليف التشغيل لهذه الفروع. كما تسبّبت التقنية الحديثة والصحافة الإلكترونية في ضعف الإقبال على شراء الصحف الورقية». بهذه العبارات أعلنت الشركة عن خطوة مفاجئة ربما تشهدها الصحف السعودية للمرة الأولى في تاريخها من بينها «عكاظ» و«الجزيرة» و«اليمومة» و«المدينة» و«البلاد» وغيرها. تزامن إيقاف التوزيع مع إطلاق هاشتاغ على تويتر #إيقاف_توزيع_الصحف_الورقية، لكنّ التفاعل السعودي معه كان خجولاً، من دون أن يحدث أيّ نقاش حول تداعيات الخبر على السوق الإعلامي وخاصة المطبوع، على اعتبار أن الخبر الصادر عن «الشركة الوطنية الموحّدة للتوزيع» هو أمر صادر عن الديوان الملكي لا يمكن النقاش فيه لا من قريب ولا من بعيد. هكذا، مرّت قناة «العربية» مرور الكرام على الخبر، وبثّت مداخلة سريعة مع عبدالعزيز السحلي مدير عام «الشركة الوطنية الموحّدة للتوزيع» تحدّث فيها بشكل سطحي عن أسباب القرار. ولفت إلى أن خطوة عدم التوزيع ترجع إلى «انخفاض عدد القرّاء والمشتركين في نقاط البيع أو المشتركين بنسبة 70% عن عام 2012». وتابع: «سنُعيد هيكلة الشركة بما يتناسب مع وضع أنصاف الحلّ». من جانبه، غرّد الكاتب فهد الأحمدي، ناقلاً عن السحلي: «نتسلّم من جميع الصحف السعودية 130 ألف نسخة، لا يباع منها سوى 30 ألف نسخة في جميع مناطق المملكة. أذكر أنّه في عام ٢٠٠٦، كانت صحيفة «الرياض» وحدها تطبع 200 ألف نسخة».
عدم توزيع الصحف في المملكة بدءاً من الأسبوع الحالي


كلام السحلي السريع والمقتضب والسطحي في مقاربة الأزمة تلاه بعد ساعات بيان نشرته «الشركة الوطنية» أوردت فيه أنّها ستستمرّ «في أداء رسالتها لخدمة القارئ والمتابع للصحافة»، مؤكدة أنّها «تقوم بإعادة هيكلة خطوط التوزيع وبعض فروعها في المناطق بما يضمن استمرار وصول الصحف إلى جميع القراء والمتابعين من دون تكبّد الشركة للخسائر، وهذا النهج المأخوذ به في جميع الشركات تماشياً مع رؤية 2030». ولم تحدّد الشركة في بيانها موعداً لعودة الصحف إلى السوق أو كيفية معالجة الأزمة التي تحدثت عنها. وبات السؤال الذي يُطرح حالياً: هل قرر ولي العهد محمد بن سلمان تضييق الخناق على الصحف السعودية، خصوصاً أنّه يرى أن هذا الإعلام فشل في خدمة مشروعه وترويج الصورة التي يريدها عنه، وهو يريد التركيز على الإعلام «الديجيتال» الذي يعتبره إعلام المستقبل؟ أم أن القرار مؤقّت وسيعود التوزيع قريباً إلى الأسواق؟ أسئلة كثيرة لم تجد صدى في مواقع الصحف الخليجية التي مرّت على الخبر سريعاً.
في هذا السياق، تشير مصادر إعلامية سعودية لـ«الأخبار» إلى أن الكلام عن إيقاف التوزيع ليس وليد اللحظة، بل بدأ في السنوات الأخيرة بسبب أزمة تراجع القرّاء التي تعاني منها الصحافة الورقية. وتشير المصادر إلى أن جميع الصحف السعودية مموّلة مباشرة من وزارة الإعلام وتحديداً من الديوان الملكي الذي يضع قيوداً عليها ويفرض سياسات الطاعة الكاملة في خطّها التحريري. لذلك، فأيّ قرار يتخذ يكون صادراً من الديوان ومستشاريه. وتلفت إلى أن الإعلام السعودي يعاني من أزمة تمويل حقيقية، والرجوع إلى توزيع الصحف سيبتّ فيه قريباً، مع أرجحية اختفاء الصحف الورقية من السوق بشكل نهائي. من هذا المنطلق، يربط بعضهم هذا الكلام بوقف النسخة السعودية من جريدة «الحياة» قبل أشهر، في خطوة كانت مستغربة وقتها. ويؤكد أنّ عودة الصحيفة التي أسسها خالد بن سلطان، لن يكون قريباً إلى قرّائها كما كان متداولاً في الماضي. ويلفت إلى أن الإعلام السعودي يعاني من أزمة قرّاء وتكيّف مع متغيرات العصر وسرعة الخبر وافتقاده للتميّز في صناعة الخبر بعدما رفضت تلك الصحف التطور والتغير في هويتها ونهج تحريرها والمواضيع التي تتطرّق إليها. فهل بدأ العدّ العكسي لنهاية الإعلام السعودي المطبوع؟