إنها إحدى بروفات الحرب الأهلية التي دارت رحاها مساء الأحد في «الجبل» وأسقطت شهيدين لـ«الحزب الديموقراطي» هما مرافقا وزير الدولة لشؤون المهجرين صالح الغريب. بين روايتين متناقضتين صادرتين عن «الديموقراطي» و«الحزب التقدمي الاشتراكي»، ضاعت الحقيقة، ليتخندق الإعلام المحلي بعدها ضمن متاريس اعتادها في زمن الأزمات. في ساعات ما قبل مساء الأحد، وقعت حادثة «قبر شمون» أو ما عرف بـ«منطقة البساتين»، لكنّها تفاوتت في التأويلات الإعلامية بين «كمين مسلّح»، حسب وصف «الديموقراطي»، وردة فعل من بعض الأهالي ممن شعروا بالاستفزاز بعدما داس موكب الغريب، الإطارات المشتعلة في بلدة كفرمتى، اعتراضاً على خطاب وزير الخارجية جبران باسيل وزيارته، تبعاً لما روّجه «الاشتراكي». هكذا توزعت الروايتان على الإعلام المحلي، الذي فتح الهواء أول من أمس، لساعات طويلة من المواكبة لما يحصل ميدانياً في الشارع، وإشعال الإطارات المطاطة، وقطع الطرقات، ولا سيما في منطقة خلدة الشريان الرئيسي للعبور والمجيء الى الجنوب اللبناني. توزّع المراسلون، بين مركزي «الديموقراطي» و«الاشتراكي»، وعند النقطة التي حصل فيها الإشكال المسلح. هكذا، فجأة أفاق خطاب الحرب، ولغة المعابر، والاستحصال على فيزا لدخول أي منطقة لبنانية. جولة باسيل التي كانت مقررة يوم الأحد الى كفرمتى، اصطدمت بغضب من الأهالي ومحازبي «الإشتراكي» تبعاً لما روّج له الأخير بأن الاستفزاز والاعتراض ناتجان من مضمون خطاب وزير الخارجية في بلدة الكحالة، إذ وُصف بأنه ينكأ جراح الحرب، ولا سيما عند تحدث باسيل عن معركة سوق الغرب، وتأكيده في خطابه أن الجيش اللبناني أو ما سماه «الشرعية»، هو الذي انتصر في تلك المعركة. الاعتراض على الخطاب الذي وصفه وزير التربية أكرم شهيب بـ«العنفي»، أتى على شاكلة ما ينتقد عليه باسيل، عبر مشاهد نسيها اللبنانيون من صفحات الحرب الأهلية: نزول مسلحين الى الشارع، ورمي الرصاص في كل اتجاه، ما خلّف ضحايا وجرحى من الطرفين.
قناة lbci، التي واكبت الحادثة، ركّزت على هشاشة المصالحة التي حدثت في الجبل، مع إقرارها بأن ما خرج أول من أمس، كان «حقيقة موجعة لا يجرؤ أحد على الاعتراف بها». فقد أزالت هذه المصالحة ــــ بحسب مقدمة نشرة أخبار مساء الأحد ــــ خطوط التماس، وبقي الحقد ضمن حفلة ما وصفته بـ«كذبة التعايش التي تحتاج الى مصالحة حقيقية تطال الأرض قبل الزعماء». انتقاد المصالحة المسيحية ــــ الدرزية، انسحب في التغطية على ترجيح ما بدا أنه لمصلحة «الاشتراكي». ففي تقرير لمراسلها بسام أبو زيد، ظهّرت المحطة بشكل كبير رواية الحزب حول ملابسات ما حصل في منطقة «البساتين». إذ نقل أبو زيد عن المحازبين، أنهم لم يكونوا على علم بأن الموكب يعود للوزير الغريب، الأمر الذي قد يبرّر فعلة إطلاق النار عليه وسقوط ضحايا بعد ذلك. نشرة المحطة، التي توزعت بين خلدة، دارة الوزير السابق طلال ارسلان، وبين مركز «الاشتراكي» في قبر شمون، واتصالات بأطراف وشخصيات سياسية لها علاقة بالحادثة (الياس أبو صعب، الشيخ نعيم حسن، صالح الغريب...)، استطاعت أن تنتزع نوعاً ما كلاماً واضحاً من ارسلان، الذي رفض الكلام للإعلام، «ليتسنى له جمع المعطيات والمعلومات». ارسلان أشار في مقابلة سريعة على المحطة إلى أن «المصالحات مشبوهة بالشكل ومفخّخة في المضمون». على مقلب mtv، فقد وصفت ما حصل بـ «حادثة الجبل»، وكان واضحاً جنوحها نحو إرساء توازن بين الطرفين الحزبيين المتنازعين.
صوّبت «الجديد» سهامها نحو الزعماء، الذين أداروا المعارك و«راقَهم الخطاب المؤجج»

وفيما استشف من مقدمة أخبارها المسائية، وضعها حادثة البساتين في نهاية سلّم أولوياتها، وتقديمها قضية الموازنة على ما عداها، كانت otv، تدعو على غير عادتها في الفترة الأخيرة، الى خطاب وطني، وإزالة الحواجز النفسية والجغرافية بين المناطق. من المفيد، ربما، أن تخرج القناة البرتقالية، بهذا الخطاب، بعد الذي حدث في بلدة «الحدث» وقبلها من ممارسات تحريضية على اللاجئين السوريين. إذ ركزت المحطة في مقدمة نشرة أخبارها على انتقاد المصالحة، التي «حصلت من فوق»، معتبرة أن ما حدث في كفرمتى، يهدف الى ضرب الاستقرار في البيت الواحد، والاستئثار بالقرار و«احتكار الخيار». «حرب الجبل انتهت، لكن حرب الدجل على ما يبدو مستمرة»، هكذا أنهت القناة البرتقالية مقدمة نشرة أخبارها، مع تعبيرها عن اندهاشها مما حدث في «زمن إزالة الهواجس، وتكريس المصالحات»، و«منع مسؤول سياسي من العبور الى منطقة لبنانية». ودافعت عن خطاب باسيل في الكحالة، الذي صنفته كمناقض لما حدث في الميدان، وقد قوبل «بالحدية والعنف»، وانتقدت من سمتهم «البعض» الذي «لا يرى في لبنان وطناً للجميع»، بل «يستخدم فيه منطق الدويلات على حساب الوطن». أما «الجديد» فقد صوّبت سهامها نحو الزعماء، الذين أداروا المعارك، مدّعين التهدئة، و«راقهم الخطاب المؤجج، وإن غلّفوا دعوتهم بالدعوة الى الهدوء» برأي مقدمة نشرة أخبارها. ورأت ما حصل بمثابة حرب سقط فيها ضحايا، منتقدة صمت وليد جنبلاط، الذي يرفع عادة صوته طلباً للتهدئة في حوادث مماثلة.