تونس | على مدى ثلاثة أيام، بدءاً من بعد غد الجمعة، تستعيد القيروان (وسط تونس) ذكرى بول كلي (1879 ــ 1940) في احتفال خاص بالذكرى المئة لزيارة الرسام الألماني السويسري للمدينة، قبل أن يزور مصر سنة ١٩٢٨.قبل قرن، اكتشف كلي الضوء التونسي الذي غيّر وجهته التشكيلية.

جاء القيروان بعدما تعرّف إلى لوحات الفرنسي هنري ماتيس، والروسي كادينسكي اللذين هيآ له الأرضية التي انطلق منها في اتجاه السحر التونسي. القيروان أسّسها عقبة بن نافع سنة ٦٧٠ ميلادية بعيداً عن البحر، وقد كانت العاصمة الأولى في بلاد المغرب الإسلامي، ومنها انطلقت خيول الفاتحين الى الأندلس وصقلية.
لم يكن بول كلي وحده في هذه الرحلة التي كانت في نيسان (أبريل) ١٩١٤، بل رافقه فنانان آخران، هما: لوي مواييه وأوغست ماك. هذه الرحلة التي خلّدها كلي في مذكّراته وبعض الصور الفوتوغرافية، مثّلت ولادته الفنية التي أسست بدورها للفن الحديث. دفعت الرحلة التونسية ثم الرحلة المصرية كلي إلى التحرّر من الأشكال الهندسية وأصبح يرسم الألوان بشكل مجرد. كتب في مذكراته معبّراً عن اكتشافه للضوء التونسي: «أسرني اللون. لا أحتاج الى البحث عنه. إنّه لي إلى الأبد، أعرف ذلك. المعنى السعيد لهذه اللحظة هو: أنا واللون واحد. أنا رسام». في رحلته التي كانت محطتها بين القيروان والحمامات، اكتشف كلي الضوء، والألوان: الأحمر والأزرق والأصفر، والعمارة العربية الإسلامية المتأثرة بالمنحنيات الرومانية، فاكتسب شخصية فنية مستقلة أصبحت مرجعاً للفنانين الذين زاروا بعده الشرق، وخصوصاً تونس ومصر. ولعل لوحتيه «نظرة الى ميناء الحمامات» و«جامع الحمامات» تلخصان أثر الرحلة التونسية التي كانت وراء توجهه إلى الرسم المائي التجريدي. تعلّم كيف يرسم مشاهد الطبيعة بشكل تجريدي خارج الانطباعية الاستشراقية التي كانت سائدة قبله. كما ابتكر فكرة المربعات التي تطغى على أعماله ورمزية السمكة. في الحقيقة، لم يغب كلي عن المشهد الثقافي التونسي، لكنه يعود هذا العام بقوة في مناسبة مرور قرن على رحلته العجائبية. قبل أن تحتفي به القيروان، نظم «المركز الثقافي الدولي» في الحمامات تظاهرة «ربيع آخر لبول كلي»، تخلله عرض فيلم تسجيلي للفرنسي هنري مول بعنوان «رحلة الى تونس». في هذا العمل، تقمص السينمائي التونسي ناصر خمير شخصية كلي ليجسد مختلف محطات الرحلة التونسية التي لم تدم إلا 19 يوماً، زار خلالها ضاحيتي سيدي بوسعيد وحلق الوادي والقيروان والحمامات.
على مدى ثلاثة أيام، ستستعيد «عاصمة الأغالبة» كما تسمى، ذكرى الرسام من خلال معرض فوتوغرافي وصور للوحاته وورشات يعيد من خلالها شبان وهواة رسم استعادة لوحات كلي في ساحات مدينة عقبة بن نافع التي يذكر اسفلتها وبطحاء جامعها الكبير خطى كلي قبل قرن، عندما كان يتسلى بالتقاط صور الشيوخ على ظهر حمار. وستقام محاضرات عن تجربته ورحلته التونسية ومعرض تشكيلي بعنوان «القيروان في عيون الرسامين».