في الخامسة عشر من عمره، كان مرسيل خليفة فتى يحلم بالمجيء إلى بعلبك وهو يستمع إلى الليالي اللبنانيّة التي كانت الإذاعة الرسمية الوحيدة آنذاك، تنقلها. في حديث إلى «الأخبار»، يتحدّث عن عودته للمشاركة في المهرجان وما تعنيه له تلك المشاركة: «كنت أعدّ سنواتي على الأصابع وأرتبّها على هوى الموسيقى، أستعجل عاماً آخر كي أكبر وآتي إلى بعلبك. ولم تكن الطريق واضحة لولد لم يتجاوز الخامسة عشر من عمره. ثمّ أتت الحرب وأكلت الأخضر واليابس، وأتت بعد حين الأغنيات العاشقات ينتحرن على شرفة وتر تنقره الأصابع في «وعود من العاصفة». وطالت الحروب وتكاثرت وتعطّلت المهرجانات، ونحن نحب الحياة أكثر حين نرى الموت في كل مكان ونوزّع كفتّي ميزان حصتنا من البقاء والرحيل». ويتابع متحدثاً عن مشاركته الأولى في المهرجان: «دخلت بعلبك بعد عودة المهرجان مع موسيقى «الأندلس: المجد الضائع» التي كتبتها لفرقة «كركلّا». ثمّ في ليلة مع العود والتشيلو نقلت إلى بيروت بسبب الأحداث الطارئة ومن ثمّ مشاركة في تحيّة إلى بعلبك مع أدباء وشعراء وفنانين. وبعد غفلة طالت في زحام الآخرين، أعود اليوم لافتتاح مهرجان بعلبك في ٥ تموز بأمسية موسيقية غنائية بعنوان «تصبحون على وطن». ما من شيء غير الخيال قادر على إعادة تركيب الزمن المنكسر من خلال الموسيقى والأغنية والقصيدة التي درّبتنا على الحب. سنلهو ونعبث بالموسيقى والغناء. فتعالوا نتخيّل آلهة بعلبك حين تلهو».

عمل خليفة على هذا المشروع بتعب وضنى وحبّ فائق كما يقول. «تصبحون على وطن» نص موسيقي غنائي ورحلة مع العود والقصيدة والموشح والترنيمة والأهزوجة والأوركسترا السمفونيّة اللبنانيّة بقيادة لبنان بعلبكي و«جوقة اللويزة» بإدارة خليل رحمة. يعلّق: «أوركسترا وجوقة تضمّان نحو 150 شخصاً. وسيشارك ابنه رامي خليفة عزفاً على البيانو كما تتخلل العرض مقطوعة خاصة بعنوان «ريكويام إلى بيروت» وكذلك «تشيلو» ساري خليفة في تقاسيم ومقطوعات جديدة موسيقية وغنائية منها «ليلة بِليالي». في البرنامج أيضاً افتتاحية كورالية موسيقية مخصصة لبعلبك وتحية غنائية إلى شعراء رحلوا من محمود درويش إلى خليل حاوي ومحمد العبدالله وأنسي الحاج وجوزف حرب وصلاح جاهين. وهناك تحية موسيقية كذلك إلى أميرة ماجد الراقصة الأولى في فرقة «كركلا» التي أُصيبت في 13 نيسان (أبريل) 1975 أي في بداية الحرب برصاصة قنّاص أقعدتها مدى الحياة. كما سيصدح العود مع الأوركسترا في متتالية موسيقية شرقية».
«تصبحون على وطن» رحلة مع العود والقصيدة والموشح والترنيمة والأهزوجة


اختيار أغنية «تصبحون على وطن» عنواناً للأمسية يقول الكثير ويعكس قليلاً الجو الذي سيخيّم على الأمسية المرتقبة. في نظر خليفة: «الأحلام تدفعنا إلى مهرجان بعلبك وبلادنا تدفعنا إلى بئر الخيبة. لماذا «تصبحون على وطن»؟ لأنه لم يكن لنا وطن في يوم من الأيام منذ الاستقلال «المجيد» وحتى يومنا «السعيد». كل طائفة تخشى كَيْد أخرى. كل طائفة ترخي حبل الخصومة فتقطعه الثانية وينغلق المستحيل. تصبحون على وطن الطوائف. كم يعوزنا الأوكسيجين وكم يعوزنا الغناء والموسيقى وكم يعوزنا المهرجان. لا نملك في 5 تموز سوى مفردة يتيمة: حُب! سنروي سيرة وطن لم نره لكننا نحفظه كنص موسيقي غنائي مدهش. ونريد أن نقنع أنفسنا بأنه ما زال هناك أمل في وطن. ولو شيّدناه في الحفلة».