لم يكن كثيرون يعرفون بأن أنجح مسلسلات مصر هذا العام قد كتبها مجموعة من المؤلفين. أصلاً قلةٌ من المشاهدين تهتمّ بأسماء كتّاب العمل، في غياب ثقافة عربية تجعل المشاهد يهتم بغير الممثلين/ النجوم الذين يؤدون العمل. في المعتاد، لا يعرف معظم الجمهور العربي - غير المتخصص/المختص- أسماء أي من صنّاع الأعمال المهمة، إلا إذا كانت أعمال هؤلاء الصنّاع أكبر بكثير من نجومهم، وهي حالات شخصية إلى حدٍّ ما كأسامة أنور عكاشة (تلفزيونياً) ويوسف شاهين (أو مخرجي العصر الذهبي سينمائياً). مع تطور وسهولة استخدام الإنترنت خلال الأعوام الفائتة، بدأ جيلٌ جديد بالاهتمام أكثر فأكثر بصنّاع الأعمال وبهؤلاء الذين يقفون خلف الكواليس والكاميرات. أمر فتح الباب أمام أسئلة كثيرة كان أبرزها بالتأكيد: هل أستطيع أن أقدّم عملاً مشابهاً، خصوصاً مع ضحالة مستوى «كتّاب» الدراما العرب. بدا واضحاً أن الدراما المصرية/ العربية عموماً أمام أزمة «كاتب» أكثر من أي شيء آخر. يوجد لدينا ممثلون كفوؤون، مخرجون أكفاء، وبالتأكيد رأس مال يمكنه إنتاج أعمال ضخمة، لكن ليس لدينا كتاب دراما/ سيناريو قادرين على تقديم «قصص» تستطيع «منافسة» الدراما الغربية والعالمية.غربياً، بدا أن تجربة المؤلف الواحد غير قادرة على مجاراة العصر الحديث، خصوصاً إذا ما عرفنا بأن غالبية المسلسلات في هوليوود تكتب عبر عدّة كتاب يسمون في المعتاد ghost writers لا توضع أسماؤهم في شارة المسلسل أو حتى يتم التعريف عنهم، فيما يتم وضع اسم كاتب واحد على المسلسل باعتباره صاحب العمل الوحيد. هنا يصبح الكاتب أشبه بالمايسترو الموسيقي، الذي ينسق بين عمل الأوركسترا لتخرج بعمل فني متناسق. من هنا يتم الحديث في أغلب الأحيان عن «الفرقة بقيادة المايسترو» وهكذا. طبعاً قد يعتقد القارئ بأن هؤلاء الكتاب يظلمون بعدم وجود أسمائهم، لكن للعلم مثلاً فإن كاتباً كبيراً مثل جورج أر. أر. مارتن كاتب سلسلة «صراع العروش» لم يخفِ أنه هو نفسه كان كاتباً «شبحياً» في العديد من المسلسلات في هوليوود ولم يوضع اسمه عليها، وأنه يقوم بذلك منذ عام 1993، وأنه لن يتوقف عن القيام بذلك حتى مع «شهرته» الحالية. ولم ينس كذلك أن يشير إلى أنه استعان بالكاتبين ايليو غارسيا جونيور وليندا أنتونسون لمساعدته في كتابة «عالم الجليد والنار»، وأنهما كانا على استعداد ليكونا «كاتبين شبحيين». إذاً باختصار نحنُ أمام عمل تقني يتقاضى مقابله الكاتب أجراً كبيراً من دون وضع اسمه على العمل باختياره، ومن دون طبعاً نظرية أنه «يسرق جهد الكاتب» أو «يسرق عمله».
عربياً، وإن كنا لا نعرف حتى اللحظة فكرة «الكاتب الشبحي»، إلا أن مجرد ظهور مسلسلات ذات أكثر من كاتب واحد، هو أمر صحي، ويمكن اعتباره تقدماً مهماً. وعلى الرغم من أن كتّاب المسلسل جميعهم توضع أسماؤهم على العمل، فإن الأخير هو شبيه بفكرة «الكتاب الشبحيين» من حيث التقنية والصنعة. كان عام 2016 فاتحة مهمة في عالم «ورش كتابة السيناريو» أو المسلسلات المكتوبة عبر أكثر من كاتب. إذ بدأت المسلسلات من هذا النوع بالانتشار خصوصاً مع مسلسل «فوق مستوى الشبهات» للنجمة يسرا الذي كتبه عبدالله حسن وأمين جمال ومحمد رجاء، وكان المشرف على الكتابة هو مدحت العدل. يسرا بدورها كررت التجربة في العام الذي تلاه مع مسلسلها «الحساب يجمع» مع محمد رجاء وإياد عبدالمجيد. الزعيم عادل إمام لحقها بدوره في العام اللاحق مع مسلسله «عوالم خفية» الذي كتبه أمين جمال ومحمد محرز ومحمود حمدان. أيضاً، لا يمكن نسيان تجربة «ليالي أوجيني» الرائعة مع الكاتبتين سماء عبدالخالق وإنجي القاسم، اللتين شاركتا أصلاً في كتابة مسلسل «لا تطفئ الشمس» قبلها بعام واحدٍ فقط. ويمكن الإشارة إلى أن كلا التجربتين من أهم تجارب المسلسلات «العاطفية» غير السطحية عربياً. في الإطار نفسه، ظهرت مسلسلات كوميدية مثل «ريح المدام» لكتاب ورش شباب مثل تامر ابراهيم وولاء الشريف.
مصر خاضت هذه التجربة التي أثبتت نجاحاً في مسلسلات هذا الموسم


هذا العام، استمرت التجربة بالازدهار من خلال مسلسلات مهمة مثل: «قابيل» مع الكتّاب كريم يوسف، أشرف نصر، مصطفى صقر ومحمد عزالدين. وكان صقر وعزالدين قد شاركا أيضاً في كتابة المسلسل الكوميدي «الواد سيد الشحات» (بالتشارك مع كريم يوسف وابراهيم خطّاب)، وهناك «لآخر نفس» مع الكتّاب عبدالله حسن وأمين جمال وطارق الكاشف، ناهيك عن المسلسلين الكوميديين «البرنسيسة بيسة» مع الكتاب مصطفى عمر وفاروق هاشم، و«الزوجة 18» للكتّاب محمد أبو السعد، خالد أبو بكر، وليد أبو المجد، فيما أشرف أمين جمال على الكتابة. بعد كل هذا، يمكن الإشارة إلى أن التجربة آخذة في التقدّم مصرياً، والملاحظ أنّ معظم هذه المسلسلات تحظى حتى اللحظة بالنجاح والإقبال الجماهيري، وهي كذلك متنوعة، تراوح بين الكوميدي والدرامي الجاد.
في المحصلة؛ تأتي أهمية تجربة الكتابة عبر أكثر من كاتب، على أساس أنّها تعطي «متسعاً» أكبر للشخصيات الدرامية بالظهور. بمعنى أنه يمكن لكل كاتب من هؤلاء تناول شخصية في العمل والتركيز عليها، وهكذا دواليك بحسب الشخصيات الرئيسية الموجودة في المسلسل. ثم يمكن للمشرف على العمل كتابة وصياغة القصة الرئيسية للعمل بالاعتماد على «طبيعة» الشخصيات التي صنعها كُتاب الشخصيات حتى يتم إخراج القصة كاملة. طبعاً هذه واحدة من الطرق المتبعة، وهناك طريقة أخرى تتم عبر تشارك جميع الكتاب في صياغة أحداث القصة الأصلية وتركيب الشخصيات، فيتولى أحد الكتاب مثلاً صناعة الجوانب الطيبة والجيدة من جميع الشخصيات، فيما يتولى آخر كتابة الجوانب «الشريرة/المظلمة» من الشخصيات ويتم دمج هذه الشخصيات ضمن النص الرئيس للقصة الذي تتم صناعته بناءً على تركيب هذه الشخصيات وقس على ذلك. من هنا، فإن تجربة أكثر من كاتب لنصٍّ واحد إذا ما تمت ضمن إشراف وتدقيق، يمكنها إنتاج أعمال فنية ذات جودة عالية تحافظ على «صدق المحتوى» الدرامي. أمر تعاني منه أغلب الأعمال العربية هذه الأيام، إذ تبدو الشخصيات «تمثيلية» لا أكثر. جانبٌ واحدٌ سلبي في كل هذه الأعمال هو حين يكون أحد الكتّاب ضعيفاً أو غير مسيطر على مادته الدرامية، فهذا يخرج العمل بأخطاء، خصوصاً إذا كان هو «مسيطراً» على الجو الكتابي (كأن يكون صاحب الشركة المنتجة، أو الممثل نجم العمل وهكذا).

«الواد سيد الشحات»: 19:30 بتوقيت بيروت على dmc
*«لآخر نفس»: 20:30 على «الحياة»
*«البرنسيسة بيسة»: 22:00 على «الحياة، و00:00 على «art حكايات»
*«الزوجة 18»: 21:00 على «النهار»