في السباق الرمضاني الحالي، ما زالت صورة المرأة في الدراما تتكرّس سلباً عبر كتابات وسيناريوات تعيد إنتاج الواقع، أو تسطّحه (كتناول قضية العنف الأسري)، من دون أن تضيف عليه، أو حتى تسعى إلى تحسينه. هذا العام الذي حفل بالإنتاجات المحلية، العربية والمشتركة، تطول لائحة النماذج النسائية التي كرّست صورة المرأة بشكل سلبي ونمّطتها في إطار ضيق. لا يختلف الأمر هنا إذا بحثنا في جنس الكاتب، أكان امرأة أو رجلاً. فخلفية المؤلف والسيناريست الثقافية والإبداعية وكيفية إسقاط رؤيته في العمل الدرامي، هي الأهم، من دون أن يكون مرتهناً لشركات الإنتاج والإعلان. من الممكن أن تكون الكاتبة امرأة، وتشجع العنف الذكوري، وتكرّسه في عملها، وفي المقابل يمكن لسيناريست رجل أن ينصف المرأة على أوراقه، حتى على هامش الحدث الأساس لقصته، عبر إضاءات بسيطة تلقي بثقلها على أسماع الجمهور.
ندى أبو فرحات في «الكاتب»

«دقيقة صمت» (كتابة سامر رضوان ـــ إخراج شوقي الماجري)، العمل اللبناني والسوري المشترك، تدور أحداثه في سوريا. صحيح أنّ حبكته بعيدة جداً عما سنتناوله هنا (قصة الفساد في الهيكل العسكري والسياسي)، لكن يمكن التوقف عند بعض النماذج التي قدمها الكاتب لإبراز واقع المرأة السورية. على سبيل المثال، تجسد رنا شميس (ربى) شقيقة «أمير ناصر» (عابد فهد)، نموذج المرأة القوية والصلبة، التي تتحدى المنظومة، هي التي تعيش في قرية سورية نائية محكومة بالعادات والتقاليد. في منتصف الحلقات تقريباً، تقف «ربى» في مواجهة أهل القرية الذين يرفضون دفن شقيقها في أرضها والصلاة عليه. ويذهب المؤلف في اتجاه لم تعهده الدراما من قبل، إذ تقترح أن تتولى بنفسها الصلاة على جسد أخيها (أُعدم شنقاً)، وسط اعتراضات واضحة من أهل قريتها ومن شيخها تحديداً. إلى جانب «ربى»، تطل زوجة (ميريام عطالله) العقيد «عصام» (خالد القيش). علمنا بما حدث معها، على لسان زوجها الذي أسرّ مرة إلى «أبو العزم» (فادي صبيح)، بأنها كانت امرأة طموحة، وفاعلة في مجتمعها، واضطرتها الظروف (أي اقترانها برجل عسكري) لتظل حبيسة المنزل مع أولادها، دافنة تلك الطموحات إلى غير رجعة. لعلّ النقطة الإيجابية هنا، هي الحديث عن هذا النموذج بتحسّر على لسان زوجها، وهذا الأمر يعدّ إيجابياً ولو لم يغير الواقع، بالالتفات إلى الظلم الواضح الذي تعانيه المرأة السورية والعربية كذلك.
دفن الطموح النسائي شاهدناه أيضاً في مسلسل «الكاتب» (كتابة ريم حنا- إخراج رامي حنا) مع الممثلة اللبنانية ندى أبو فرحات التي تلعب دور طليقة «يونس جبران» (باسل خياط). في سياق الحلقات، تكشفت قصتها، فعرفنا أنّها دفنت طموحها كممثلة إرضاءً لزوجها، بعدما خدعها بأنه سيكون داعمها الأول، لتعود في الحلقات الأخيرة وتنتفض على هذا الواقع مهما كلفها، من تضحيات تخص ابنها الصغير، والحالة الاجتماعية التي تحيا فيها. ومن «الكاتب» إلى «إنتي مين؟» (كتابة وسيناريو وحوار كارين رزق الله- إخراج إيلي حبيب)، الذي تندرج تحته نماذج نسائية مختلفة، من المرأة السلبية التي تتسمّر انتظاراً (أكثر من 30 عاماً) علّ حبيبها يرأف ويرتبط بها (شخصية «سامية» جسّدتها الممثلة رفقا الزير)، إلى نموذج امرأة قوية تتخذ قرارات مصيرية في حياتها ولا تعبأ بالقيود الاجتماعية والزوجية. نتحدث هنا عن «عايدة» (جوليا قصار) المقاتلة السابقة في الحرب الأهلية، التي تشكل نموذج المرأة «المتحررة»، بمعناه العميق بمعنى غياب امتثالها لأي قيد حتى لو كان زوجها. أخيراً، علمنا أنها قررت مغادرة بيتها الزوجي بسبب عقلية زوجها (أسعد رشدان) الرجعية، التي لم يتقبلها كامرأة عاشرت غيره جنسياً (من دون زواج) وأنجبت منه ولداً. في المواجهة بين الثنائي، تتضح غلبة المرأة وما تريده لحياتها، وضربها عرض الحائط المغريات المادية والاجتماعية التي كان يمكن أن تستحصل عليها في حال إذعانها للصورة الاجتماعية التي يراد وضعها فيها.

* «انتي مين»: 21:30 على mtv
* «الكاتب»: 22:30 على lbci، و«نتفليكس» (19:00)، و«أبو ظبي» (23:00)، و«art حكايات 2» (21:00)
*«دقيقة صمت»: 22:30 بتوقيت بيروت على «الجديد»، و21:00 على «art حكايات»، و1:00 على «أبو ظبي»، و21:00 على «أبو ظبي دراما»