وضعت جائزة «مان بوكر الدولية» (حوالى 63.5 ألف دولار أميركي) أمس اسم جوخة الحارثي (سلطنة عُمان ـــ 1978) في قائمة أحدث الفائزين بهذه الجائزة الأدبية المرموقة، كأوّل روائية عربية تحصد الجائزة عن روايتها «سيدات القمر» (صادرة عام 2010 عن دار «الآداب»). واعتبرت لجنة التحكيم أن هذه الرواية تحمل «وجهة نظر داخلية قوية وآسرة وشاعرية في مجتمع يمرّ بمرحلة انتقالية، وفي حياة كانت مخفية قبلاً». وكانت الرواية قد صدرت بنسختها الإنكليزية عام 2018 تحت عنوان «الأجرام السماوية» بتوقيع المترجمة مارلين بوث (دار ساندستون برس).
ترصد الرواية تحوّلات المجتمع العُماني وموروثه التاريخي وطقوسه من وجهة نظر نسوية في المقام الأول، على خلفية حكايات ثلاث شقيقات (مايا، وأسماء، وخولة) مثقلة بالألم والصمت والتحدّي، بمكاشفات جريئة محمولة على الأساطير المحليّة وزمن العبودية والقيود الاجتماعية الصارمة، ما يضع السرد في باب رواية الأجيال في قراءة تاريخ المنطقة تخييلياً، بما يوازي عزلة ماركيز. حكاية تسلّم الأخرى لتضيء مناطق معتمة في الحب والعشق والفقدان، وذلك بسرد مشوّق ومتداخل وعنيف، وإذا ما هو ذاتي وجوّاني ينطوي على مناخ عام غارق بين ماضٍ ثقيل وحداثة معقّدة، يلقي بثقله على أرواح الشخصيات في خرابها وتمرداتها على واقع قاسٍ لا يأبه للحلم، ذلك أنّ «الحياة منشطرة شطرين كالليل والنهار: ما نعيشه وما يعيش بداخلنا»، وفي مكانٍ آخر «الكائنات منفصلة في اتّصالها، وهذا أقسى أنواع العزلة». ووفقاً لآراء نقدية رصينة، فإن هذا العمل الأدبي المُذهل هو «درسُ في السرد والتاريخ واللُغة».
عائلة تختصر مجتمعاً قبلياً لا يخضع بسهولة لمتطلبات التغيير وتطلّعات الأفراد.
هكذا تنسج صاحبة «نارنجة» (2016) سجادتها السردية السحرية بخيوط خشنة، وأخرى بملمس الحرير، تبعاً لمصائر شخصياتها في مخاضها العسير للخروج من شرنقة الأعراف، وتوقها إلى ضوء آخر.
تكمن أهمية هذه الرواية بتمردها ليس على تقاليد مجتمع مغلق فحسب، وإنما على الكتابة الروائية نفسها بالاتكاء على حقول معرفية أخرى، وخصوصاً شعرية اللغة التي تبطن عالماً جوانياً بمحاورات عميقة تنتصر على الخواء الخارجي المستقر. كأن زلزال الحداثة القسرية، أفرز زلزالاً لغوياً للهاث وراء ما تخفيه حكايات الجدّات والنساء المقموعات بتناوب الفصحى والعامية، تبعاً لتشظي الحكي والاعترافات. هكذا تفتتح روايتها بضربة مؤثرة، قبل أن تغلق القوس على فجائع لاحقة «ميا التي استغرقت في ماكينة خياطتها السوداء ماركة الفراشة، استغرقت في العشق. عشق صامت لكنه يهزّ بدنها النحيف كل ليلة في موجات من البكاء والتنهد. شعرت مراراً بأنها ستموت تحت وطأة الرغبة في رؤيته» تقول.