قرر الكاتب السوري فؤاد حميرة أن ينجز مسلسلاً من كتابته وإخراجه يسرد فيه بسخرية شديدة يوميات الرئيس السوري بشار الأسد منذ بداية الأزمة، على أن يبث على يوتيوب تماشياً مع التطور الهائل لمواقع التواصل الاجتماعي. وبالفعل، بدأ بإنجاز مسلسل «رئيس ونساء» من إنتاج جريدة «زمان الوصل» ومن بطولة الفنانة مي سكاف وعدد من الممثلين المغمورين. أول من أمس، حُمِّلت الحلقة الأولى من العمل (مدتها 10 دقائق) على يوتيوب وحصدت نحو أربعة آلاف مشاهدة خلال يوم واحد.
يعد العمل مشاهديه «بتفكيك إشكاليات الديكتاتور وتأثير النساء المحيطات به وقدرتهن على تسيير شؤون البلاد والعباد». لن يحتاج أي مهتم إلا لمشاهدة بضع دقائق من الحلقة، ليكتشف حالة التردي الفني والسرعة في إتمام النص وإنجاز المشاهد، ومن ثم حالة التطويل ومجافاة التكثيف الذي يميّز دراما الإنترنت عادة. كأن الهم أن يخرج المسلسل إلى العلن ولو قدم أي كلام مستهلك، أو أن يقول صناعه إنّهم أنجزوا مسلسلاً تجرأوا فيه على السخرية من الرئيس في زمن لم تعد فيه هذه الخطوة تندرج في قائمة الجرأة. هكذا، استعار فؤاد حميرة أسلوباً ممجوجاً للسخرية، سبقته إليه أعمال سورية هزيلة، واتكأ على واقع بناه على مزاجه المتطرف، وراح ينظر بعين واحدة متجاهلاً عن عمد نصف الحقيقة السورية. وقرر شنّ هجومه الافتراضي من عمان، لكن على طريقة التهريج المبتذل الذي لا يليق بسمعته الفنية ككاتب حقق نجاحات وشهرة عريضة، ولا يرقى إلى الجرح السوري العميق الذي يستحق أن يعالج بأعمال تراجيدية وكوميدية، شرط أن تصنع بهدوء وروية وبعمق فني بعيداً عن غاية الاسترزاق.
في الحلقة الأولى من «رئيس ونساء»، يبدو جلياً تأخر المادة الفنية عن الواقع الذي سبقها بأشواط، فتتحفنا بالنكتة المكرّرة إلى درجة الاهتراء بأنّ الرئيس كان يلهو في بلاد الفرنجة عندما وصله خبر رحيل والده، فاستقدم على عجل وأطلقت والدته الأوامر، ليصنع منه رجلاً يتمكن من ملء فراغ والده. ثم يقفز بالزمن إلى وقت اندلاع الأحداث وتتهافت النساء حوله، بدءاً من والدته، وصولاً إلى صديقاته ليسدين له النصح في كيفية التعامل مع الأزمة وضرورة التحلي بصبر والده وحكمته. لكن القرار الأخير يذهب لأخيه الذي يطلق الأوامر بالقصف والتدمير قبل أن يطفئ شمعة، ويردد جملة إعلام النظام المعهودة «خلصت».
يسجل حميرة ظهوره في نهاية الحلقة ليعطي إشارة ساخرة، ويقول: «لا ما خصلت». كل ذلك يأتي في أسلوب المباشرة الخالي من أي محاولة للترميز أو أي جهد لإسقاط ذكي تعتمده الكوميديا غالباً. تبدو المخيلة الخاوية واضحة عندما نمرّ على مشهد حقيقي للأسد الابن وهو يلقي خطابه أمام حشود المؤيدين في ساحة الأمويين، ليتبنى العمل كذبة قناة «الجزيرة» المشهورة بأن الساحة كانت فارغة. ثم تظهر مي سكاف لترقص أمام الرئيس محاولة بناء كاريكاتير بأسلوب «الغروتيسك». لكن المشهد ينفذ بطريقة غرافيك بدائية، ويزيد من رداءة المشهد الأداء المبالغ فيه للنجمة المعارضة التي لم يسبق لها أن جسدت مشهداً كوميدياً واحداً في حياتها.
منذ اندلاع الأزمة السورية، قدم بعض الهواة أعمالاً انتقدوا فيها شخص الرئيس وغيابه عن صدارة الأحداث والقرار، لكن لم يسبق لأيٍّ من هؤلاء أن انحدر بمستوى طرحه وأسلوبه إلى الدرجة التي وصل إليها فؤاد حميرة في «رئيس ونساء»، وكأنه أنجز سيناريو مسلسله بربع ساعة. ربما كان على حميرة أن يستحضر ما قدمه من حفلات تعارف في جامعة دمشق أيام الثمانينيات ليدرك أنه كان عندها أكثر جرأة وذكاءً وموهبة في انتقاد النظام ومؤسساته الأمنية.