منذ الإعلان عن أنّ تل أبيب ستكون مضيفة «مسابقة الأغنية الأوروبية» (يوروفيجن) لعام 2019، و«الغليان» سيّد الموقف على مختلف الساحات. حتى اللحظات الأخيرة قبل انطلاق الفعاليات أوّل من أمس الثلاثاء في عاصمة الكيان الصهيوني، كانت الدعوات تتواصل لمقاطعة هذا الحدث الدولي الذي ينتقل سنوياً بين مدن في الدول الأعضاء في «اتحاد البث الأوروبي». تزامن ذلك مع حملات مقاطعة في ما يزيد عن 20 بلداً قادتها حركة مقاطعة «إسرائيل» وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها (BDS). استضافة أتت بعد أيام من التصعيد الذي شهدته غزّة بين الاحتلال والفصائل الفلسطينية، ويتوقع أن «تجلب ملايين الدولارات بفضل السياحة والتغطية الإعلامية التي لا تُقدّر بثمن»، على حدّ تعبير صحيفة «تايمز أوف إسرائيل» التي قدّرت الكلفة بـ190 مليون شيكل (53 مليون دولار أميركي).ربّما من الصعب إحصاء مثل هذا النوع من المطالبات، إلا أنّ أبرزها جاء في أيلول (سبتمبر) 2018، حين بعثت شخصيات ثقافية من مختلف الدول الأوروبية رسالة تدفع باتجاه إلغاء استضافة «إسرائيل» للمسابقة ونقلها إلى بلد آخر له سجل أفضل في مجال حقوق الإنسان. بعدها، أقدمت مجموعة المثقفين والفنانين البريطانيين (من بينهم مصممة الأزياء فيفيان ويستوود، والمغني بيتر غابريال، والكاتب والمخرج مايك لي، والممثلان جولي كريستي وماكسين بيك، ونجم فرقة «بينك فلويد» رودجر ووترز…) على خطوة تمثّلت في رسالة موجّهة إلى «هيئة الإذاعة البريطانية» تتضمّن مطالبة بإلغاء تغطيتها للحدث الذي يعلن عن الفائز به مساء 18 أيّار (مايو) الحالي. تلى ذلك نشر 170 فناناً سويدياً عريضة تحثّ على المقاطعة في صحيفة «افتونبلاديت»، ويشدّد الموقعون عليها على أنّهم لا يمكنهم النظر بـ«صمت إلى كيفية استخدام «إسرائيل» لمسابقة «يوروفيجن» الموسيقية الدولية لإخفاء جرائمها ضد الشعب الفلسطيني». واتهم هؤلاء السلطات الإسرائيلية بالفصل العنصري وانتهاك الحقوق الأساسية للفلسطينيين، كما اقترحوا تعليق المشاركة الإسرائيلية في المسابقة.
وفي الأسبوع الأوّل من الشهر الحالي، دعت «رابطة الفنانين الفلسطينيين» في غزة الاتحاد الأوروبي إلى وقف تنظيم «يوروفيجن» في تل أبيب، في سياق مؤتمر صحافي نظمته أمام مقرّ المؤسسة الدولية شمالي القطاع.
حتى أنّ عدداً من الفنانين والموسيقيين والمخرجين والكتّاب الإسرائيليين أيّدوا في رسالة خطية الدعوة إلى تغيير مكان الدورة الحالية من «يوروفيجن» (يشارك فيها فنانون من أكثر من 40 دولة)، مؤكدين أنّ «ما من طريقة لتحقيق ذلك سوى بإنهاء قمع الحكومة لملايين الفلسطينيين… شبابنا وشاباتنا ملزمون بالخدمة العسكرية، والمشاركة في ارتكاب جميع أنواع الجرائم ضد الفلسطينيين، بما في ذلك الإمعان في فرض حصار غير قانوني على غزة… وفي تل أبيب نفسها، تهجّر «إسرائيل» السكان الفلسطينيين الأصليين في يافا مستخدمة وسائل ضغط اقتصادية وقانون، إلى جانب طرد العائلات، وهدم المنازل، وإزالة أحياء بأكملها».
90 ألف سائح في لشبونة العام الماضي في مقابل 5 آلاف في تل أبيب


هذه عيّنة من ردود الفعل المستنكرة لإقامة المسابقة الفنية التي تأسّست في خمسينيات القرن الماضي، في الكيان الصهيوني المحتل. ولا شكّ في أنّه كان للضجة التي أثيرت حول الموضوع صدى على صعيد العالم رغم زخم البروباغندا الإسرائيلية. إذ كشف رسم بياني صادر عن وكالة «أسوشييتد برس» عن التراجع الشاسع في أعداد السياح القادمين لمتابعة المسابقة (5 آلاف شخص كحد أقصى) هذه السنة، مقارنة بالدورة التي عقدت العام الماضي في لشبونة (حوالى 90 ألفاً).
أما آخر التطوّرات على هذا الصعيد لغاية كتابة هذه السطور، فكان اختراق البث الإلكتروني المباشر للمرحلة قبل النهائية من «يوروفيجن» وظهور صور لانفجارات في تل أبيب. فما كان من «هيئة البث الإسرائيلي العامة» إلا أن وجّهت أصابع الاتهام إلى نشطاء «حماس»!