في الوقت الذي تواصل فيه الزعامة الفلسطينية الرسمية المتمثلة في ميليشيات رام الله وملحقاتها بفك ارتباطها بالقضية وبالشعب الفلسطينيين، نرى نشاطاً مستمراً ومتصاعداً في مختلف أنحاء العالم، مع فلسطين شعباً ووطناً وقضية، وإدراكاً بيّناً لطبيعة العدو الصهيوني العنصري، كونه قاعدة استعمارية استيطانية قائمة على الأساطير والخرافات الدينية البالية. هذا أمر يستحق النظر فيه وتأمّله، في الوقت الذي لم تعد فيه دول عربية ومشيخات الأعراب السيبريانية تشعر بحرج من إعلان تخلّيها رسمياً عن فلسطين جهاراً نهاراً، مع أنها لم تكن يوماً مع فلسطين على أيّ حال.من ضمن تجليات تنامي التعاطف العالمي مع فلسطين وازدياد معاداة العالم الحرّ حقاً للصهيونية فكراً وتجليات، صدور أبحاث وأعمال علمية جديدة عن المسألة الفلسطينية كل شهر تقريباً. قلّة منها صدر بأقلام فلسطينية وقد عرضنا بعضها في هذا المنبر، وأخرى كتبها بحاثة من مختلف بقاع العالم. كتاب «ممحوة من الفضاء والضمير: إسرائيل والقرى الفلسطينية المهجّرة عام 1948» (Erased from Space and Consciousness: Israel and the Depopulated Palestinian Villages of 1948. Indiana University Press 2015) لنوجا كدمان الذي نعرضه هنا يعدّ أحد الأبحاث المهمة التي يجب عرضها، من دون أن يعني ذلك إغماض العينين عن بعض نواقصه التي سنشير إلى بعضها لاحقاً.
الكاتبة الأشكنازية أصدرت هذا المؤلف المهم الذي تسرد عبره مصير كل قرية وبلدة فلسطينية دمّرها العدو الصهيوني بعد عام 1948، محاولاً بذلك محو تاريخ الأرض والشعب من الذاكرة الفردية والجمعية ليفسح المجال أمام رواياته الكاذبة التي تحاول تزوير التاريخ. ليست الكاتبة مربعة الكارات وإنما مُسبعتها، إذ إنها عملت وتعمل دليلاً سياحياً، كما أنّها مترجمة، وباحثة، ومحررة، وكاتبة، وناشطة سياسية. تقول إن كتابها، الذي يحوي مصورات وخرائط عديدة، كان رسالة الماجستير التي قدمتها بالعبرية. وهذا المؤلف هو ترجمتها الإنكليزية الصادرة عن «منشورات جامعة إنديانا» الأميركية.
ربما هذا هو العمل الأول الذي يصدر «بالعبرية» عن مصير القرى والبلدات في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948. تعدد الكاتبة مصادرها وتذكر استعانتها بأعمال كثيرة، منها عملان فلسطينيان صدرا بالإنكليزية والعربية، يعودان للمؤرخ الفلسطيني وليد الخالدي وللباحث الفلسطيني سلمان أبو ستة صاحب «أطلس العودة». وتؤكد أن عملها دليلاً سياحاً، فتح عينيها على حقيقة جرائم الصهيونية بحق القرى والبلدات الفلسطينية. إذ تقول إن مدرستها والمنظمات الشبابية الصهيونية كانت تأخذها في جولات عديدة إلى لفتا، القرية الفلسطينية الفارغة المدمّرة جزئياً والواقعة قرب مدخل القدس الرئيس. هناك، لاحظت نبعاً لا يزال يتدفق بين المنازل المدمرة ويصب في بركة صغيرة. تلك الجولات ولّدت لدى الكاتبة انطباعاً غامضاً بأن لفتا كانت مكاناً قديماً، وأنها ـ كما واجهتها ـ كانت أطلالاً منذ زمن. المكان مقفر وجميل وغامضٌ بعض الشيء، ومرعب بشكل ما، بسبب صمته الغريب ومساراته الضيقة بين المنازل والجدران المهيبة.
تنقُّل الكاتبة في طول فلسطين المحتلة وعرضها، جَعَلها ترى أنه يكاد يكون من المستحيل تجنّب رؤية أكوام الحجارة والأطلال والجدران والمنشآت المنهارة المليئة بأشجار اللوز والتين غير المزروعة، والمدرجات المتدلية الآيلة للانهيار بسبب الإهمال، وتحوطات طويلة من الصبار الشائك. هذه الأجزاء الأساس من المشهد «الإسرائيلي»، هي كل ما تبقى من قرى فلسطينية كانت موجودة قبل حرب 1948بحسب كلمات الكاتبة التي تستطرد بأنّ ««دولة إسرائيل» المنشأة حديثاً بعد الحرب ضمت داخل حدودها أكثر من أربعمئة قرية مهجورة وإحدى عشرة مدينة خلت (قل: العصابات الصهيونية هجرت أهلها الفلسطينيين) ومنعت الذين فروا أو طُردوا عبر الحدود، من العودة إلى ديارهم... هؤلاء هم اللاجئون الفلسطينيون».


تذكّر الكاتبة القراء بأن «إسرائيل» قامت بهدم معظم القرى إما أثناء الحرب أو في أعقابها. واليوم، لا يشهد عليها سوى أطلال ضئيلة بعدما دُمر كثير منها من دون ترك أيّ أثر في المشهد الطبيعي. صادرت «إسرائيل» أراضي القرى الشاسعة وحتى الأمتعة التي خلّفها اللاجئون أثناء هروبهم، وأنشأت مئات المجتمعات اليهودية الجديدة على الأراضي المصادرة ومنحت المجتمعات الزراعية اليهودية القائمة فوق أنقاضها مساحات واسعة من الأراضي المصادرة. كما أعادت استيطان المدن والقرى الفلسطينية التي هُجّر أهلها، عبر جلب السكان اليهود المهاجرين أو المهجرين. دولة «إسرائيل»، تم بناؤها وتطويرها إلى حدّ كبير على أنقاض القرى والمدن الفلسطينية.
تواصل الكاتبة سرد الخلفية الشخصية لمؤلفها، فتقول إنها في العديد من جولات المشي والرحلات التي قامت بها على مرّ السنين عبر فلسطين المحتلة واكتسبت فيها وعياً متزايداً لتاريخ الأرض وشعبها، صادفت هذه الأنقاض مرة تلو الأخرى: في تلة منثورة بشقائق النعمان بالقرب من القدس، وعلى سلسلة من التلال الجبلية في الجليل، وعبر مسار حاد أسفل مجرى طابور. بحلول ذلك الوقت، كانت بالفعل قادرة على محاولة تخيل مدى حيوية ذلك المكان قبل عقود قريبة: الحياة اليومية الصاخبة المليئة بالأصوات والألوان والأطفال والأعمال المنزلية والثروة الحيوانية والمياه المستخرجة من البئر، حلّ محلها اليوم الفراغ والصمت. ليست هناك ذكرى أو حتى إشارة إلى العالم الذي فُقد وظروف اختفائه. كان هذا التباين المقلق هو دافع عملها هذا.
ما يميز هذا المؤلف عن ذلك الذي كتبه المؤرخ وليد الخالدي بعنوان «ما قبل الشتات» أنّ الكاتبة لا تكتفي بسرد أسماء البلدات والقرى الفلسطينية المهجر أهلها وصور بعضها، وإنما تسجل ما آلت إليه تلك المواقع. إذ ترفق عملها بثلاث خرائط تفصيلية ذات صلة. لذلك، فإن مجال هذا المؤلف أكثر اتساعاً من غيره في بعض الجوانب كما سنلحظ ذلك لاحقاً. تقول الكاتبة إن عملها يتناول الطريقة التي تتعامل بها «إسرائيل» مع طبقة المنطقة السابق لوجودها. طبقة عملت على محوها وقامت بالبناء فوق أطلالها. إنه يبحث في وجهات النظر والتمثيلات «الإسرائيلية» للقرى الفلسطينية المهجر أهلها، وينظر في الموقع الذي تحتله في الوعي «الإسرائيلي» بعد مسحها في الغالب من المشهد الطبيعي. وهو يركز أكثر على المواجهات اليومية العادية بين «الإسرائيليين» وذاكرة القرى وبقاياها المادية عبر استخدام أسماء الأمكنة، والنظر في الخريطة، والسفر في أنحاء البلاد. بالنسبة إلى النقاط الثلاث الأولى، تقول الكاتبة إنها تدرس كيفية تشكيل السلطات، التي تتوسط بين «الإسرائيليين» والقرى، وما إذا كانت القرى قد أعطيت أسماءً رسمية ورسمت مواقعها في الخرائط، وما إذا كانت السلطات المسؤولة عن مواقع السياحة والترفيه توفّر المعلومات عن القرى المهجر أهلها التي تقع داخل حدود تلك المواقع. تحليل يؤكد عمل المؤرخين الذين يتعاملون مع الذاكرة على أنها مزيج متعدد الطبقات بين الماضي والحاضر بحسب الباحثة الفلسطينية رنا بركات عضو هيئة التدريس في دائرة التاريخ والآثار في «جامعة بير زيت». وبهذا المعنى، فإن المؤلفة تبني الحاضر من خلال مناقشتها لصناعة السياحة الإسرائيلية مكوناً أساساً لفهم نزع الملكية المستمر لفلسطين.
تصف الكاتبة في النقطة الرابعة المواجهات المباشرة بين المجتمعات «الإسرائيلية» والقرى التي ذُكرت مواقعها من خلال دراسة كتابات السكان الجدد عنها.
من المهم هنا ذكر أن الكاتبة تمكنت من تحديد موقع الثمانية عشرة وأربعمئة بلدة وقرية فلسطينية قامت العصابات الصهيونية بتهجير أهلها ومن ثم هدمها. تنوه الكاتبة إلى عمل وليد الخالدي آنف الذكر، لكنها تلفت الانتباه إلى أنه لا يسمي المجتمعات البدوية في جنوبي فلسطين حيث تم اقتلاع حوالى ثمانية وتسعين ألف نفس منها في عام 1948.
تنبه الكاتبة القراء إلى أن بحثها هذا لا يعكس كيفية تعامل «الإسرائيليين» مع هذه الأمكنة تسميةً، ورسم الخرائط، وتوفير المعلومات عن المنتجعات السياحية، أو المجتمعات الجديدة التي أقيمت فوق المواقع البدوية سابقاً.
يركز المؤلف على القرى الفلسطينية ولا ينظر بعمق في السياسة والمواقف الإسرائيلية تجاه المدن الفلسطينية التي تم تهجيرها. كما أنّه استبعد إلى حدّ كبير القرى التي طرد الصهاينة أهلها وهُدمت بعد حرب عام 1967، ومعظمها يقع في مرتفعات الجولان وقرب اللطرون في الضفة الغربية.
بالانتقال إلى بنية العمل ومحتواه، فإن الفصل الأول (تهجير السكان والهدم وإعادة إسكان في مواقع القرى والبلدات) يبدأ بتقديم السياقات التاريخية والنظرية لفهم القرى المهجورة والمواقف الإسرائيلية تجاهها. يعرض الفصل الأول الأحداث الكارثية التي أسفرت عن مئات القرى المهجورة داخل «إسرائيل»: مسار حرب 1948، وأسباب وظروف الاقتلاع الجماعي لسكان الأرض الفلسطينيين، والقرار الإسرائيلي بمنع عودتهم. كما تصف الوسائل التي تمكنت بها «إسرائيل» من السيطرة المادية والقانونية على أراضي اللاجئين وقراهم وممتلكاتهم؛ والتدمير المتعمّد للعديد من القرى وإنشاء مجتمعات يهودية على أراضي القرية ومواقعها. كما تذكر الكاتبة في هذا الفصل مختلف أنواع محو القرى الفلسطينية وعددت أشكالها الآتية:
- محو ذو أهداف عسكرية واستراتيجية.
- محو ذو أهداف سياسية.
- محو لمصلحة المجتمعات اليهودية.
- محو بهدف «تنظيف» المشهد الطبيعي الريفي وتحسين هيأته وكذلك بهدف مسح الذاكرة التي تمثلها القرى.
- المحو بهدف الحفاظ على الطبيعة.
- المحو بهدف إفساح في المجال لمواقع تاريخية يهودية[كذا].
تختم الكاتبة الفصل الأول بمناقشة أطلال القرى الحالية.
الفصل الثاني (الهوية القومية والصراع القومي والفضاء والذاكرة) ينظر في الأعمال «الإسرائيلية» المتعلقة باللاجئين وقراهم بالارتباط مع الإيديولوجية الصهيونية التي سيَّرَت القيادة اليهودية السابقة للدولة وقادت الأخيرة إلى يومنا هذا. وتناقش الكاتبة ذلك مثالاً على إنشاء هوية قومية وتعزيزها، مع التركيز على الزمان والمكان كونهما تعبيرين عن تلك الهوية وساحات الصراع القومي.
في سياق الحديث في الحركة القومية الإسرائيلية الصهيونية، تركز الكاتبة على المصطلح الصهيوني الأساس المتمثل في «التهويد»، أي العملية القصدية لتحويل شيء غير يهودي إلى شيء يهودي. مصطلح يُستخدم استخداماً متكرراً وبمعنى إيجابي في المصطلحات «الإسرائيلية» الرسمية حتى يومنا هذا. كما تراجع الطريقة التي آثرت القدوة الأعلى للتهويد على الإنشاء العام للفضاء الإسرائيلي، بما في ذلك القضاء على القرى الفلسطينية المهجرة، وبناء ذاكرة جماعية انتقائية تؤكد الماضي اليهودي للأرض وقمع قرون عديدة من ماضيها العربي. يمثل تجاهل العروبة في الزمان والمكان وتهميشها انتصاراً إسرائيلياً آخر في ساحة أخرى من الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، الذي أصبح ممكناً من خلال الغزو العسكري الإسرائيلي للأرض وجعل معظم سكانها الفلسطينيين لاجئين خارج حدود الدولة.
الفصل الثالث (القرى المهجر أهلها في عيون السكان اليهود) ينظر عن كثب في عملية التهويد من خلال فحص الإشارات إلى القرى التي هُجر أهلها في الوثائق والمنشورات العائدة إلى 25 مجتمعاً يهودياً ريفياً استقروا على أنقاض كل قرية أو بالقرب منها بعد عام 1948، وخاصة في أوائل الخمسينيات.
الفصل الرابع (تسمية مواقع القرى المهجر أهلها ومكانها في الخرائط) يبحث في التمثيل الرسمي للقرى المهدمة من خلال فحص عمليات إعادة تسمية مواقع القرية وعرضها على الخرائط. وقد استعانت الكاتبة بمحتوى وثائق لجنة الأسماء الحكومية لرؤية ما إذا كانت مواقع القرى قد أعطيت أسماءً رسمية، وكم منها كانت هي الأسماء الأصلية للقرى، وما الخصائص التي تشاركها الأسماء الجديدة الممنوحة لهذه المواقع. كما راجعت الكاتبة خرائط دروب التنزه التي أعدتها دائرة مسح «إسرائيل» والوكالة الحكومية لرسم الخرائط، بهدف التحقق من مواقع القرى وأسمائها في الخرائط الرسمية المحدثة المستخدمة حاليًا في كيان العدو، وبأي طريقة. الفصل الخامس (القرى المهجر أهلها في المواقع السياحية والترفيهية) يبحث في المواجهة الإسرائيلية مع البقايا المادية للقرى التي تصفها بأنها «الطرف المرئي من جبل جليدي»، مع التركيز على موقع القرية الذي يمكن الوصول إلى مناطقه المبنية سابقاً والمرئية للجمهور الإسرائيلي العام. فكثير من القرى قائمة إما داخل المواقع السياحية والمنتجعات أو داخل المجتمعات الريفية أو الحضرية اليهودية «الإسرائيلية». كما قامت الكاتبة بتحليل وجهات النظر «الإسرائيلية» في النقاط آنفة الذكر من خلال قراءة النصوص التي تنتجها الهيئات الرسمية التي تسيطر على المواقع السياحية اليوم.
بإلقاء نظرة على اللافتات والمنشورات الصادرة عن «الصندوق القومي اليهودي» و«هيئة الطبيعة والمتنزهات الإسرائيلية»، يتم التركيز على ما إذا كانت هذه المنظمات تبلِّغ الجمهور بوجود القرى المدمرة في المحميات الطبيعية والمنتجعات السياحية التي تتحمل مسؤوليتها، كما يتم تحليل محتوى المعلومات المقدمة ومداها. كما يتتبع هذا الفصل استخدام كيان العدو صناعة السياحة لتحقيق الإيديولوجية الصهيونية المتمثلة في إقامة «رابطة للأرض» من خلال الأدوات العملية والخطابية المتاحة. وقد اتخذ هذا شكل نظام معقد من صنع الخرائط ووضع العلامات على الأماكن العامة (الحدائق والمحميات ومسارات المشي، وما إلى ذلك، بحسب الباحثة رنا بركات).
الفصل السادس والأخير (بقايا الماضي، نظرة نحو المستقبل) يقدم ملخصاً للكتاب، إضافة إلى مناقشة خطاب بديل ناشئ حول هذه القرى في إسرائيل.
إن تهويد الفضاء والذاكرة واضح في نمط تهميش القرى الفلسطينية المهجرة، في كل جانب من جوانب الخطاب الإسرائيلي الذي عُرض في هذا البحث، من مسح أسماء القرى أو إقصائها وإزالة العديد من القرى عن الخريطة وعدم وضوح هويات غيرها وتجاهل المؤسسات الصهيونية ذات الصلة لغالبية القرى وقمع هوية وتاريخ وظروف هجرة السكان الذين اعترفت هذه المنظمات بوجودهم؛ وقبول التجريد من الملكية الفلسطينية من قِبل المجتمعات اليهودية المنشأة على مواقع أو أراضي القرى الفلسطينية المهجرة، مع التقليل إلى أدنى حد من التفاعل مع تاريخ القرى، وظروف هجرة السكان، والمعضلات الأخلاقية الناشئة من استخدام منازل اللاجئين وممتلكاتهم.
عمل المؤلفّة كدليل سياحي، فتح عينيها على جرائم الصهيونية بحق القرى والبلدات الفلسطينية


إضافة إلى تجاهل القرى كونها مواقع تاريخيةً، تقوم «إسرائيل» أيضاً بقمع تاريخها الأحدث وواقع لاجئيهم الحالي. يصمت الخطاب الرسمي في «إسرائيل» عن ظروف نزوحهم ويتجاهل أعمال العدوان والمذابح وطرد القرويين الذين أصبحوا لاجئين، ولا يزال غير مبال بمصيرهم. إن الكارثة والصدمة التي يعيشها سكان القرى في أعقاب حرب 1948، التي لا تزال تؤثر في حيواتهم وحيوات أحفادهم، ليست جزءاً من الرواية الإسرائيلية السائدة، التي تتجاهل المأساة الفلسطينية وتستخف بها.
إن تهميش القرى يقوم ــ كما أسلفنا ــــ على ايديولوجية التهويد، التي وجهت الحركة الصهيونية والدولة الإسرائيلية بهدف خلق فضاء يهودي متفوق على السكان الفلسطينيين وتراثهم جسدياً ورمزياً. فـ «إسرائيل» تواصل تهميش مواطنيها الفلسطينيين والتخلي عن اللاجئين خارج حدودها بهدف الحفاظ على ذلك الفضاء الذي تم تهويده.
وقد أثرت الكاتبة مؤلفها بخرائط ثلاث هي:
- خريطة القرى المهجرة في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948 وملحق بها جداول تحوي معلومات ذات صلة منها عدد سكان القرية ومساحة أراضيها ويوم تهجير أهلها وسبب التهجير وعدد الأبنية التي ما زالت قائمة، وفيما إذا تم تثبيت اسم القرية وموقعها في خرائط العدو الرسمية وغير ذلك.
- خريطة القرى المهجر أهلها والواقعة ضمن نطاق مواقع السياحة والترفيه في كيان العدو وألحقتها بجدول يضم معلومات عن القرى، ومن ذلك اسم الحديقة أو الغابة وغيرها من أمكنة الترفيه، وما إذا حوت ممرات للمشاة المتنزهين، وما إذا ثمة علامة تدل على القرية وما إذا حوت الدلائل السياحية للمنطقة أسماء القرى الممحاة ورقم كل قرية كما يرد في الخريطة.
- خريطة بالقرى الفلسطينية الممحاة الواقعة قرب مستوطنات ومدن يسكنها يهود أو بنيت على أنقاضها. وقد ألحقت الكاتبة الخريطة بجدول بأسماء المستعمرات التي أقيمت في نطاق القرى الفلسطينية المهجرة، وتحوي معلومات إضافية منها اسم القرية الفلسطينية واسم المستعمرة اليهودية وسنة التأسيس وما إذا قام المستعمرون بسكن البيوت الفلسطينية.
إضافة إلى ما سبق ذكره، ألحقت الكاتبة قائمة بالأسماء «الإسرائيلية» التي فرضها كيان العدو على القرى الفلسطينية المهجرة وموقع كل منها في خريطة فلسطين التي أنجزتها الكاتبة بنفسها. إن ملاحق الكتاب التي تحوي خرائط وقوائم مفيدة للقرى التي هُجرت بالسكان مع تفاصيل تاريخية ذات صلة وأدوات مفيدة لفهم ضخامة المشروع الصهيوني المتمثل في المحو والإدراج. إن نوجا كدمان تكشف بوضوح وعلى نحو متماسك أنّ الصهيونية مشروع استعماري عنيف للمستوطنين بهدف القضاء على السكان الفلسطينيين الأصليين.

* Erased from Space and Consciousness: Israel and the Depopulated Palestinian Villages of 1948. Indiana University Press 2015