عندما شاهدت أماسيل (10 سنوات) صورة غاندي مطبوعة على الورقة النقدية الهندية، كان سؤالها بديهياً: «ليش، ما عندهم ملك؟»، ليأتي الجواب: «لأن ليس لديهم ديكتاتور». تحرّرت الورقة الهندية من صورة الديكتاتور، بعدما أسقطه نضال غاندي للديموقراطية. ويوماً ما، ستسقط الديكتاتورية من أوراقنا النقدية، وتحل محلها صور الذين حررونا منها، وحينها سنعرف كلفة التحرير الباهظة. المصورون، كما الكتّاب والشعراء، ارتبط معظم تاريخهم ببلاط السلطان، كانوا صوته وضوءه وإيقاعه، ولم يتحرروا منه إلا حين تحررت ميادينهم العامة، فصار عندهم بلاط صاحبة الجلالة (الصحافة).
مع ذلك، عرف صاحب الجلالة كيف يجعل الصحافة جزءاً من حرمه المصون، فصارت على صورته. حرر المصورون البحرينيون الميدان العام من صوره، ولهذا يلاحقهم. أخلّوا بالمعادلة، فلم تعد احتفالات الديكتاتور وأعياد جلوسه، واستعراضاته مفضلة في سوق الصورة: لا وكالات الأنباء العالمية ترغب فيها، ولا الشارع يتداولها، ولا الصحف الحرة تصدرها في صفحاتها الأولى. الإعلام الحرّ يرغب في صورة الثائر البحريني الذي يخرج بشكل يومي إلى الشارع، مطالباً بحرّيته، والمرأة البحرينية التي تتحدى أجهزة القمع، متقدّمة على صورة قرينة الملك، وصور أبناء الشهداء تتصدر صور أبناء الملك وهي مقرونة بالتحدي واستمرار الثورة. المصورون المعتقلون أو الذين مروا بتجربة الاعتقال أو الاستشهاد (حسين حبيل، أحمد حميدان، حسن المعتوق، أحمد إسماعيل، أحمد الفردان) يتقدّمون المسيرات الكبرى، في ساحات 14 فبراير. الصحافة العالمية تجدهم مادة أثيرة لصفحاتها، يبرزون كنشطاء يحررون أوطانهم من الاستبداد، ويجعلون من نُصُب الحرية المهدمة ذاكرة سيئة للديكتاتور.
في دوار اللؤلؤة، تعلم الناس الدرس الأول في الجرأة، حيث علت صور الشهداء والمعتقلين منصّات الدوار ونخيله، فيما رمي بصور العائلة الحاكمة بجانب المزابل. نجح المصورون إذاً في تحويل الساحات العامة إلى مرآة للبحرين، صار العالم يرى في صورهم حقيقة الميادين العامة. تكتب bahrain في غوغل أو «فليكر»، فتأتيك نتيجتان: واحدة كما تريد السلطة إظهارها، وأخرى كما تقدّمها الثورة. الأولى بنايات سياحية ثابتة ونمطية، والثانية الناس كما هم في الشوارع العامة، ممتلئون بالحركة والثورة وإرادة التغيير. كسرت صور الثورة الصور النمطية الافتراضية، حيث المرأة البحرينية بثوب «النشل» مرصعة بالذهب واللؤلؤ، وكبار السن في مقاهي الأسواق، والأطفال يمرحون في الحدائق العامة والمطاعم تمتلئ بالأكلات الشعبية، والبنايات الشاهقة متشحة بصور القيادة الرشيدة (كما تسميها الديكتاتورية).
لكن صور الثورة أظهرت المرأة مشاركة في مسيرات على مسافة 3 كيلومترات، تحمل صور الشهداء والمعتقلين وشعارات الحرية. وفي الجانب الآخر، الرجال يشقون الشوارع العامّة حاملين المطالب نفسها والصور نفسها. كذلك سنجد لقطات الانتهاكات للأطفال والكبار والنساء مرفوعة كشاهد على بشاعة الديكتاتورية، وستبدو جدران البحرين العالية في الصور النمطية الأولى، هابطة وعليها شعارات الثورة (غرافيتي 14 فبراير) يتصدرها الشعار الأشهر «يسقط حمد». الميدان المحتكر بصورة الديكتاتور وخطاباته، حوّلته الثورة إلى ميدان عام، يضجّ بكل شيء. وجد فيه المصورون فتحاً جديداً لعدساتهم، فراحوا يلملمون الحدث بزواياه المتعددة في صورهم.

* كاتب وناشط بحريني