حسين طريف * في انبعاثات رائحة الدم من ظلام الجزيرة الصغيرة المكبّلة بقيود الاستبداد، الغائب ربيعها، تنكّر العرب لربيعهم خوفاً من رياح التغيير الذي وصموه بالطائفية كدرع مهلهل لنظام يكابر وينساق إلى مصير معتم. تقف الصورة دليلاً بائناً لأزقة، وجدران الشارع كجداريات تتفنّن في طاقة الصبر وشعارات الثورة. تقف العدسة واثقة تؤطر صورة الحراك السلمي، وتواجه الموت الوشيك عبر رصاصة طائشة، أو عبوة غاز مسيّل للدموع لا يخيب هدفها. 
باتت العدسة إداة قنص ترصد الانتهاك، وترصد الضحية، وتعرّي كذب القبيلة.

أبصرت المئات من العيون الخارجة من بين أزقة القرى والبلدات المختنقة بسموم النظام، لترسل الصورة كما هي. تختار زوايا متعددة من ثورة مدهوسة بجيش جرار. هنا أحمد المنفي في الموت، وهنا صورته الذي وثقها. كانت رصاصة الموت خائبة ويائسة عندما حاولت أن تسابق سرعة الضوء من عدسته. كان دمه الصورة الحية والموثقة لنهاية إنسان، وربما لبداية اعتقد قاتله بأنه أعدم الصورة عبر كتم أنفاس أحمد. 
آخرون غير أحمد لم يكبلهم الخوف. أصبح المصورون جيشاً جراراً آخر في مواجهة المرتزقة المستوردة. انتشرت ثقافة الصورة في المجتمع ككل. بات كثيرون يرغبون في ممارسة عقيدة الضوء... العقيدة غير العابثة، عندما تلتقط جرح أمة، وحزن ثكلى، ووداع شهيد، وحشداً تتنفس هامته حرية. هنا، ترى مصورين صحافيون لا يملكون قوت أمان لحياتهم. في جلّ الميادين، تلاحقهم أجهزة الأمن وتزجّ بأسمائهم في أوهام السلطة، وتلبسهم زي العنف تارة، والتحريض طوراً لسبب أنّ صورهم باتت تفضح النظام المتهالك.
إنّهم لا يؤطرون إلا حقيقة العبث، والانتهاكات، والقمع باختلاف هذا الضوء المنبعث من ظلام الجزيرة. علو الصورة هو ما تخشاه أجهزة إعلام مضللة. 
بدأت الصورة في المحافل تحاصر شركات العلاقات التي تمتهن وتشارك في تزييف حراك سلمي لا مصدر لقوته إلا عقيدة الحرية. كمصوِّر، تنقّلت عدستي بين دموع أم شهيد وعنفوان صرخة آمنت بأن الحقيقة صورة لا يمكن أن تتلاشى. الخوف لا يمكن أن يشتت اتجاه عدستي، فكل وجه من هذا الوطن صورة ناطقة وحقيقة لا يمكن مياه الجزيرة أن تغرقها. الصورة ذاتها كانت منحدراً وكارثة عندما كانت أجهزة الدولة تبحث عن وجوه الناس فيها، وعمَن كان صوته يتجاوز حدود الصورة إبان تجمع الناس في دوار اللؤلؤة. كانت الوشاية هي التي توجه سهامها من خلال الصورة إليك لتدينك وتزج بك أحياناً في السجن. رأس أحمد فرحان علي فرحان (شاب مات بوحشية خلال تظاهرات سترة في يوم 15/3/2011) كان أطهر من إسلامهم. الصورة هزت الضمير، وكان حامل فرحان بروحه الجسورة منعم صورته وإدانة حية لنظام لا يزال يمارس أبشع جرائمته. الصور كثيرة تفضح حقيقة عجز النظام على جعل الناس يدفنون رؤوسهم في تربة هذه الجزيرة المشبعة بدماء الشهداء. هذا عنفوان آخر لجماهير الثورة، يقدمون التقاطة بليغة لملامحهم الثائرة المشبعة بالشجن تارةً، وبالأمل طوراً من دون رهبة. كيف لا وهم بورتريه كامل لحراك هذا الشعب؟

* فوتوغرافي بحريني