القاهرة | لا استثناءات. الكل معرّض للتضييق والتنكيل و«الجلوس في البيت» إذا خرج عن الخط. هذه الرسالة وصلت للفنانين المصريين بقوّة في الأشهر الأخيرة، عبر مواقف عديدة أكدّت أنّ النظام المصري لا يفرّق بين نجم ومواطن عادي في ما يتعلق بخنق الحريات، سياسية كانت أو فنية أو حتى لجهة ارتداء فستان مثير، كما حدث مع الممثلة رانيا يوسف على سجادة ختام «مهرجان القاهرة السينمائي» في نهاية تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي.عندما تصاعدت أزمة الفستان، ظنّ بعض المتفائلين أنّ المجال العام في مصر سيعود إلى الاتساع ولو قليلاً لتقبّل مثل هذه المواقف، بعد الانتقادات الحادة التي طالت النظام، خصوصاً من الميديا الأجنبية التي تكلّمت عن تعرّض فنانة مصرية لـ«شبح دخول السجن»، فقط لأنّها ارتدت فستاناً «جريئاً». وقتها، قيل إنّ النظام سيتدخّل لمنع المحامين الذين اعتادوا تحريك البلاغات من تكرار هذه التصرفات، سيّما أنّ معظمهم لم يعد يوصف فقط بأنّه «غاوي شهرة»، بل يتحرّك بأوامر جهات أمنية تستخدمه إما كأداة عقاب لبعض الفنانين أو كوسيلة لإشغال الرأي العام بتحويل واقعة عادية إلى جريمة. غير أنّ الأسابيع الأخيرة أكدت أنّ النظام لا يهتم بصورة الفنان المصري، ولن يتدخل لإيقاف التنكيل به، حتى لو أدى ذلك إلى مزيد من الانتقادات للحالة المصرية، خصوصاً في الصحف الغربية، بل إنّ بعض التدخلات تتم كأنّ هدفها إثبات أنّ هؤلاء الفنانين على حق.

(جنزير ــ مصر)

من جهة أخرى، تأكّد للمتابعين أنّ النقابات الفنية الثلاث ـــ الموسيقيين والممثلين والسينمائيين ـــ باتت مكتوفة الأيدي أمام حماية حقوق المنتسبين إليها، لا بل تنفذ أي تعليمات هدفها الإساءة إليهم. «نقابة السينمائيين» على سبيل المثال، لم تتدخّل إطلاقاً في أزمة الفيديوات الجنسية التي سُرّبت لخالد يوسف، بسبب معارضته للتعديلات الدستورية المزمع التصويت عليها قريباً. لم يصدر عن النقابة حتى بيان إدانة لاختراق خصوصية المخرج الشهير ولو من باب حفظ ماء الوجه.
وأخيراً، شطبت «نقابة الممثلين» عضوية خالد أبو النجا وعمرو واكد بعد تحدّثهما أمام الكونغرس الأميركي عن التضييق على الحريات في بلادهما. واكد قال لاحقاً في تصريحات تلفزيونية إنّ النقابة لم تحاول التدخل قبل ذلك عندما أبلغها بوجود حكم بالحبس ضده من محكمة عسكرية، وأنه تلقى تحذيراً من أنّه بعودته إلى القاهرة سيدخل السجن. لكنها شطبت عضويته بعد ذلك حتى من دون تحقيق، بينما اتهمته وزميله بـ«الخيانة العظمى». لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ صدرت مجلة «حريتي» الحكومية وعلى غلافها صورة معدّلة بـ«الفوتوشوب» لواكد وأبو النجا في حمام سباحة مع مانشيت: «عملاء وأشياء أخرى». «نقابة الموسيقيين» لم تتأخر هي الأخرى في محاصرة أعضائها، واضطر النقيب هاني شاكر إلى الرد على نجمات عربيات، منهن أحلام، بأن المغنية شيرين عبد الوهاب لا تستحق التعاطف والتسامح، ولا تزال مطلوبة للمثول أمام الشؤون القانونية للتحقيق، في الوقت الذي قرّرت فيه صاحبة أغنية «مشاعر» الإقامة خارج مصر موقتاً بعد أزمة تصريحها في حفلة المنامة حين قالت: «أنا هنا أتكلم براحتي في مصر ممكن يسجنوني». وتردّد بقوة أنّ النقابة كانت تخطط لإجراء تحليل تعاطي مخدرات لشيرين خلال مثولها أمام التحقيق!
التحريض على النجوم المصريين لا يتعلق فقط بالمعارضة المباشرة، فحتى الظهور في برامج تعرض على قنوات توصف بـ«المعادية» بات تهمة، وهو ما يحدث حالياً مع أسماء بحجم أنغام وأحمد عدوية وصلاح الشرنوبي، لأنّهم شاركوا في برنامج «طرب مع مروان خوري» على قناة «العربي» المحسوبة على النظام القطري. تتصاعد هذه الحملة في الآونة الأخيرة وسط توقعات بتحذير النجوم من تكرار هذا الأمر، والتأكد مسبقاً من أن القناة التي ستعرض البرنامج ليست «معادية» للقاهرة. حتى إنّ الفنان محمد رمضان، المؤيد للنظام المصري، تعرّض قبل أيّام لموقف مشابه لما حصل مع رانيا يوسف. أقام صاحب أغنية «القمر» أوّل حفلة غنائية له مساء الجمعة الماضي على مسرح مركز «المنارة» الحكومي، ظهر فيها عاري الصدر، لتنطلق حملة بلاغات وانتقادات له، مع توجيه علامات استفهام إلى «نقابة الموسيقيين» التي سمحت بسهرة كهذه!
بدورها، تعرّضت الممثلة هالة صدقي للأزمة نفسها، بعدما انتشر عبر إنستغرام تسجيل صوتي لها تسبّ فيه مجموعة من العاملين في أحد المسلسلات التي تشارك فيها، وتستخدم في نهايتيه كلمتَيْن «نابيتَيْن». بعيداً عن نفيها غير المنطقي للواقعة وادّعائها أنّ هناك من قلّد الصوت، لماذا يتقدّم أحد المحامين ببلاغ ضدها إلى النائب العام، وبالوكالة عمَنْ؟ باختصار، أصبح الفنان المصري، أياً كانت مواقفه السياسية، تحت قصف متعدد الجهات، سواء بلاغات المحامين المدفوعة عادة من الأجهزة الأمنية، أو الجمهور الرافض للحرية الذي لم يعد يجد من يردعه ويقدم وجهة نظر مغايرة، إذ بات ممنوعاً على الصحافة الفنية مناقشة معظم هذه القضايا، بما في ذلك الأفلام التي تواجه تعنتاً رقابياً، آخرها «رأس السنة» (إخراج محمد صقر) الذي أوقف من دون التطرّق إلى الموضوع في الصحافة المحلية التي تعاني هي الأخرى من الحصار نفسه.