يقف أربعة ممثّلين على خشبة المسرح. يخبرون قصة ثنائيين متزوجين، قضوا 52 عاماً معاً. ظاهريّاً هم متماسكون، فيما علاقتهم ــ كما الحياة ومعتقداتها وقساوتها ــ هشّة للغاية، يدمّرها وهم حب، أو مزحة لامرأة تتمتّع «بحس فكاهيّ عالٍ». «وهم» هو العمل المسرحيّ الجديد للمخرج كارلوس شاهين (كتابة المسرحي الروسي إيفان فيريبايف) يتناول الحياة وأوهامها. ينتقل النصّ بين المادي والروحاني، بين المثالي والواقعي، بين الظاهر من الأمور وباطنها، بين المفروض من المجتمع وتقاليده، وبين الرغبات و«المحرّمات»، كوقوع رجل في حبّ زوجة أعز أصدقائه. أمر يبدو «منفّراً» في الدرجة الأساسية، فيما يتجسّد على الخشبة فعلاً إنسانياً جميلاً، لا مقابل له. هو مجانيّ متفلّت من أيّ قالب وقوانين وأعراف. تتساءل شخصيات العمل عن ماهية الحب: هل هو متبادل أم من طرف واحد؟ لا يخرج النصّ بجواب محدّد، فكل شيء ينهار في لحظة حقيقة تارة، وفي لحظات رغبات شبابية دفينة تارةً أخرى. النصّ يترجم واقع العلاقات والمشاعر المتشابكة، حيث لا مسلّمات، لا قالب واحداً، ولا شيء ثابتاً، فالمشاعر كالكون في حركة دائمة ومتغيّرة، غالباً ما يعجز الناس عن التكيّف معها، فيما يواجهون الحياة في البحث عن هدف، أو التعلّق ببصيص أمل أو ببساطة بالكثير من الفكاهة.خشبة المسرح فارغة. ارتأى كارلوس شاهين الاستغناء عن الديكور، فالممثلون (سيرينا الشامي، كارول الحاج، جورف زيتوني، وسام فارس) لا يؤدّون أدواراً محدّدة. هم روائيون وممثّلون في آن. ينتقلون بخفة محبّبة من سرد حياة الثنائيين إلى تقمص الشخصيات، ومنها يعودون إلى السرد مجدداً. تدخل القصة في خيال المشاهدين ليرسموا هم المشهد على الشرفة، في الحديقة وعلى البحر، في حركة تفاعلية مع الجمهور.
النصّ يخرج من الزمان والمكان المحددين، فهو يصلح في أيّ مجتمع. بوجود نصوص كهذه، لا يرى شاهين ضرورة لكتابة نصّ جديد. في مقابلة مع «الأخبار»، يتحدّث بشغف عن المسرح، فهو مساحة للغوص في عالمه والتفاعل مع الممثلين والتخيّل خلال العرض. عندما اختار هذا النص، لم يفكر في قابلية الجمهور اللبناني لمشاهدته، من دون نفيه علمه المسبق بقلّة اهتمام الناس بهذا النوع من المسرح، فهم يفضّلون الأعمال الترفيهية، والصورة المتداولة عن المسرح بأنّه ممل. ثقافة المسرح، خاصةً النص، غائبة عن المجتمع اللبناني، فيما الثقافة بشكل عام تراجعت بفعل الحرب، إضافة إلى غياب الاطلاع العام على الأعمال الجديدة ومركزية المسارح في بيروت.
بعد تجارب عدة، يعود شاهين ليقدّم للناس عملاً حقيقياً مليئاً بالإثارة في آن، فالجمهور ـ بحسب شاهين ـ أمام نصّ غريب وغير واضح ومجهول الهدف. مشاهدة ممثلين لا يمثلون، مدعوين ليحلموا ويتخيّلوا. من هنا يرى شاهين أنّ المسرح اللبناني أمام فرصة النهوض في حال هدأت أوضاع البلاد السياسية والأمنية، فكلّ المكونات موجودة، والرغبة والمواهب حاضرة.

«وهم»: حتى 27 كانون الثاني (يناير) ـــ «مسرح مونو» (الأشرفية) ـ للاستعلام: 01/202422