لا يختلف اثنان على وجود مئات، بل آلاف الحسابات الوهميّة الناشطة على مواقع التواصل الاجتماعي، من دون إقرار قانون دولي جدّي، حتى اللحظة، يحدّ من انتشارها وخطورتها. مثل هذه الحسابات كادت أن تُشعل، مرات عدّة، حرباً أهليّة في لبنان، بعد بثّها أخباراً كاذبة، وممارستها خطاب الكراهية بين أبناء الطائفة الواحدة، أو الأفرقاء السياسيين، مرة لزعزعة الأمن مع النازحين، وأخرى لشنّ معركة على أحد الأحزاب قبل استحقاق سياسي مفصليّ. وفي كل مرة تُطْفَأ جمرة الفتنة، ينجو اللبنانيون في اللحظة الأخيرة. ومع وجود الكثير من الحسابات الفعّالة الشهيرة، لا سيما منها على تويتر وفايسبوك، التي تعمل ضمن حملات مشتركة وأهداف موحّدة، وفي أوقات زمنية متقاربة ومدروسة، بات من المعلوم أن بعض هذه الحسابات يرتبط مباشرة بأجهزة استخبارات معروفة، وينشر «أخباراً» نقلاً عنها، ولا يتردّد في ذكر مصدرها، مع وجود أكثر من مُشغّل للحساب الواحد.
كما اكتُشف أخيراً حول بعض الحسابات المعروفة مثلاً في لبنان، تكثر التوقعات حول الجهة التي تعمل خلف تلك الحسابات، وداعميها، وأهدافها الرامية إلى صناعة حالة، ثم قضية رأي عام.
ليست بعيدة عن ذلك، الأخبار التي انتشرت أخيراً عن صحة الأمين العام لحزب الله، السيّد حسن نصر الله، وتداولتها وسائل إعلام إسرائيلية، نقلاً عن حساب أحد الناشطين المعارضين للحزب، الذي ذكر أن الخبر مصدره جهة استخباراتية. وما لبث أن انتشر، حتى تنوّعت أسباب الغياب الإعلامي لنصر الله «بين مرض، وإقامة جبرية، أو تعرّض لغارة إسرائيلية في دمشق» من دون دليل واحد يُبنى عليه. وقد اتّخذ الحساب المذكور تحدّيه بظهور الأمين العام دليلاً لإثبات صحة أخباره. وهو، إن جرى، سيكون اعترافاً غير مقصود بأخذ هذه الادّعاءات على محمل الجد، في حين أن قيادة حزب الله لم تعتد الرد على مثل هذه الشائعات، ولا تهزّها محاولات استفزاز أمينها العام للظهور، فلا يزال الأخير يُسيّر عقارب ساعة إطلالاته كما يشاء.
لكن سرعان ما ظهر تسجيل صوتي للسيّد نصر الله يقول فيه إنه بخير، وهو ما تم اجتزاؤه من كلمة تلفزيونية سابقة، تحدث فيها الأمين العام عن ضرورة مواجهة مثل هذه الادعاءات، وعدم الانجرار معها، مؤكداً أن لا حاجة إلى نفيها. تسجيل استُخدم لتضليل المهتمين، وإحباطهم بعد معرفتهم بأنه غير دقيق لناحية الزمان والظروف.
بعد ذلك، روّجت حسابات ناشطة، غير معروفة الهوية، لإطلالة مرتقبة للسيّد نصر الله، في مناسبة ذكرى شهداء القنيطرة. ومما لا شك فيه، أن هذه الإطلالة لم تصدر عن أيّ جهة رسمية في الحزب. وبعد مرور موعد الإطلالة المرتقبة، شنّت الحسابات نفسها حملات مفادها أن «نصر الله لم يظهر بسبب صحته الجسديّة». وفي السياق نفسه، تزامن ذلك مع رسائل بثها الإعلام الإسرائيلي تدّعي أن «نصر الله يلتزم الصمت بسبب حملة درع الشمال» التي ادّعت فيها قيادة العدو، منذ فترة، اكتشاف أنفاق قديمة ـ جديدة لحزب الله.
السيناريو السابق هو أسلوب قديم جديد، يهدف إلى استفزاز «العدو» لمعرفة ما يدور في أروقته حول قضية ما، لكن نتائجه لا تزال واحدة: الوقوع في فخ الشائعات، والترويج لما يصدر عن مسوّقيها، وتالياً التداعيات الناجمة عن ذلك، أبرزها إثارة الشكوك لدى الجمهور الموالي في قضية تهمّه. إذن يريدون لحزب الله الانزلاق إلى محاولات استفزازه، وتدمير صورة الأمين العام المعنوية، ودراسة ردود فعل جمهوره.
لكن كل ما سلف لا يعدو كونه محاولة لالتماس نبض قيادة الحزب، التي لم تصدر حتى الآن تصريحاً واحداً حول كل ما حدث، في الآونة الأخيرة، على الحدود مع فلسطين.
إذاً الصراع مع الحسابات الوهميّة صراع مع الأداة، كأن تقاتل الصدى لا الصوت، ليس ذلك أقل خطراً من دور الوسائل الإعلاميّة والإصدارات الأدبية والفنية الموجّهة لتضليل الرأي العام، وحرفه إلى مسارات لا يريدها. ومن المتوقّع أن يستمر ضجيج الشائعات في المرحلة المقبلة، في محاولة لاستدراج الرأي العام، الموالي والمعارض، إلى ردود فعل يريدها العدو، ستدحضها إطلالة للأمين العام للحزب السبت المقبل على قناة الميادين.

* صحافية لبنانية