1- هل هناك بصمة إضافية فرضها الجحيم السوري على أعمالك؟
لا يمكن لحدث مبشّر وعميق ومأساوي كالثورة السورية ـ وبغض النظر عن مآلاته الراهنة ـ إلا أن يؤثر على كل الجماعات وكل الأفراد، فهو حدث ـ وهذا سنتبيّنه أكثر مع الأيام ـ هزّ ويهزُّ كياننا كبشر وكسوريين وكحالمين، ولا يمكن إلا أن يترك بصماته على تفكيرنا وعواطفنا ومعارفنا وانتاجنا.

لقد هزّ الشجرة من جذورها. المجموعة التي أعرضها اليوم ستظهر لمن يراها أنّها بمعظمها على خلاف مع عملي السابق، وعلى صلة وثيقة به أيضاً، وهو الذي كانت تقتصر موضوعاته على الطبيعة الصامتة. للمرة الأولى، يدخل الأشخاص إلى اللوحات، يدخل البشر والشهداء من دون استئذان، وحتى دون تفكير قصدي مني، ولقد جاؤوا واستقروا في الأعمال كأنهم في بيوتهم التي غادروها. لكن رغم صلة الأعمال بالحدث والمسحة المأساوية في معظم الأعمال، أعتقد أن اللوحة الحقيقية لم ترسم حتى الآن، لا من قبلي ولا من قبل غيري، وأظن أننا سنحتاج الى سنوات كي نرى تلك اللوحة. أعطوا الرسامين قليلاً من الوقت، لن يخذلوا أحداً.

2- كأن أعمالك بمجملها تتمحور حول الفقدان؟

بعيداً عن مغزى الثورة السورية السياسي، وبعيداً عن نهر الدم الذي فاض فيها، وبعيداً عن كل حسابات الداخل والخارج، وبعيداً عن وصولنا الى لحظة هي تماماً مضادة للثورة ولأهدافها وقيمها... بعيداً عن كل ذلك، لا استطيع أن أستوعب فكرة الموت، حتى لو كانت شهادة لأجل أهداف إنسانية عُليا. لا أستطيع أن أقبل أن يخرج شاب من بيته ليعبر عن همومه وفقدان لقمة عيشه ولقمة كرامته، ثم لا يعود أبداً الى أهله. فكرة الموت بحد ذاتها همجية، فما بالك إذا كان ذلك بأدوات نظام همجي؟ إن قتل عشرات الآلاف من السوريين في السنوات الثلاث الماضية هو أمر خانق، ولا يستطيع وجداني قبوله تحت أي ذريعة. لا توجد ذرائع للقتل. لنضع أنفسنا مكان أمّ الشهيد وأبيه وأخيه وأخته وصديقه وجاره ولنحاول بعدها أن نبلع ريقنا. سيصبح حلق كل منّا من حجر وتراب، إنه أمر يتجاوز العقل.

3-ألم تراودك فكرة إنجاز «غيرنيكا» سورية؟

بالطبع. أظن أنّ فكرة بانورامية كالـ «غيرنيكا»، أو «الإعدام» لغويا، أو «معركة سان رومانو» لباولو أوتشيللو، و«الحرية تقود الشعب» لدولاكروا خطرت لعشرات الرسامين في سوريا، لكن الأمر ليس قراراً، ليس رغبةً، إنه يحتاج الى الهضم. هذا يحتاج لى الوقت. لا بد من مسافة لاستيعاب ما حدث ويحدث، والتعبير عنه بالعمق المطلوب. لا أظن أن أحداً يريد الاستعجال وانتاج أعمال لا تليق بنهر دم نقي.