«إلى الشارع للإنقاذ في مواجهة سياسة الانهيار»... شعار رفعه تحالف مجموعة من الأحزاب، على رأسها «الشيوعي»، و«التنظيم الشعبي الناصري»، و«الحزب الديمقراطي الشعبي»، وتنظيمات أخرى تخصّ الحراك المدني. سلسلة تظاهرات بدأتها هذه التنظيمات يوم السبت، واستكملت أمس في مناطق متفرقة (زحلة، عاليه، النبطية، الشوف، الذوق، طرابلس، واللبوة)، غطت البقاع اللبنانية، تحت عباءة مطالب وشعارات موحدة، تندّد بالسياسات الاقتصادية الحالية، وتضع سلّة مطالب تتعلق بالضمان الاجتماعي، والاستشفاء، والضرائب، وقوانين العمل... شهد أول من أمس بدء التحركات الشعبية في الشارع، أولها التظاهرة التي سارت من وزارة العمل (المشرفية)، إلى وزارة الصحة (بئر حسن)، لكنها غابت في الإعلام اللبناني بشكل أساسي، قبل أن يحضر الحدث متأخراً جداً في سلم الأولويات، وضمن سلسلة تقارير إخبارية. التعاطي الإعلامي مع هذه التحركات بدا على مسافة واضحة رسمتها القنوات اللبنانية. على سبيل المثال، دشنت «الجديد» نشرتها الإخبارية مساء السبت بخبر يخصّ المباراة التي جرت بين لبنان والسعودية، ضمن منافسات «كأس آسيا»، حيث دعا السفير السعودي في لبنان وليد البخاري مجموعة من الشخصيات السياسية، والفنية والرياضية اللبنانية، إلى «نادي اليخوت»، لمتابعة المباراة. طبعاً، بدّت المحطة الدعوةَ عن باقي الأحداث المتعلقة بالبلد، وخرجت برسالة حية مباشرة من نادي اليخوت، فيما أتى خبر التظاهرة الشعبية في منتصف النشرة تقريباً! التظاهرة التي تجمع للمرة الأولى تحالف أحزاب وتيارات يسارية ومجموعات للحراك المدني، سعياً لإحداث تغيير ما في المشهد القاتم الحالي، لم تجد لها طريقاً في الإعلام، بل عُمل على تقزيمها، أو مُرِّرت كتقرير لا يتعدى الدقيقتين في النشرة الإخبارية. هذا بخلاف ما حصل في مظاهرات منتصف الشهر الماضي، حين فُتح الهواء عشوائياً لأوجاع الناس، مع ساعات طويلة من البث المباشر، ظلت حبيسة الاستعراض وحتى المحاكمة التي لم يوفرها بعض المراسلين الميدانيين للمواطنين حول مسؤوليتهم في إيصال البلد إلى ما وصل إليه! بعد تظاهرة السبت، كان الشارع اللبناني، على موعد مع تحرّك شعبي آخر يطال كافة المناطق اللبنانية. عند الساعة الثانية عشرة من ظهر أمس، انطلقت هذه المسيرات، شمالاً، وجنوباً، وبقاعاً. مسيرات واكبها بعض الإعلام اللبناني بنسب متفاوتة. بدت «الجديد» أكثر زخماً في التغطية من lbci، إذ توزع مراسلوها على مناطق أوسع (صيدا، طرابلس، الذوق..)، فيما ركزت «المؤسسة اللبنانية للإرسال» على «النبطية» (أدمون ساسين)، لأسباب غير معروفة. وبينما كان الأمين العام للحزب الشيوعي حنا غريب ضيفاً على طاولة «الحدث» على «الجديد»، واكبت الأخيرة الحراك الشعبي أيضاً وكذلك فعلت lbci. في المقابل، اكتفت «المنار» برسائل حية عبر نشرتها الإخبارية، ونقلت كلمة رئيس «التنظيم الشعبي الناصري» أسامة سعد، وأبقت نافذة صغيرة تنقل ما يحصل من مسيرة صيدا (صورة صامتة). أما mtv، فخرجت برسالة مقتضبة (رالف ضومط) من منطقة الذوق، ركزت فيها على التحالف الذي يحصل للمرة الأولى بين «أحزاب معارضة»، والحراك المدني. انتهت الرسالة الحيّة، وأغلقت شاشة المرّ منبرها على التظاهرات الشعبية، وعادت إلى برمجتها المعتادة. أما otv، فغابت كلياً عن التغطية المباشرة.
في خلاصة التغطيات التلفزيونية التي اختلفت عما شهدناه الشهر الماضي، تركيز على أسئلة تسعى إلى «التيئيس» من خلال تكرار سؤال المتظاهرين حول جدوى المظاهرات مرة، كما رأينا مع مراسل «الجديد» غدي بو موسى الذي كان موجوداً في طرابلس وسأل أحد المتظاهرين «هل تنفع هكذا اعتصامات؟»، أو ادمون ساسين (lbci) الذي جزم بأن «لا نتائج» لكل المسيرات الشعبية... ومرة أخرى، تركيز على الأعداد القليلة للمتظاهرين، أو استخدام التلميح السياسي كما فعل ساسين في النبطية، عندما سأل أحد المشاركين عن الضغوط التي «تمنع الناس من المشاركة». في المحصلة، أظهر المتظاهرون ثقافة واضحة في الأسباب والأهداف للتظاهرات الشعبية، بخلاف الآراء العشوائية التي خرجت قبلاً. أثبتت هذه المسيرات وضوح الرؤية لما يحصل في البلد والحلول التي يجب أن تنفّذ. لكن مع هذا الوعي العالي بالمطالب، بقي الإعلام اللبناني على مسافة واضحة من التحركات، وليس جزءاً منها، أو مستثمراً لها... إلى أن أتى النقل المباشر لأربعين مرافق وئام وهاب، محمد أبو ذياب، ليطيح بالتغطية التلفزيونية للمسيرات الشعبية. هكذا، تبخّر الحدث، الذي صمد لدقائق على الهواء، في انتظار المسيرة المركزية الكبرى التي ستجوب بيروت، فهل سيجد الإعلام اللبناني سبيلاً لتفعيلها واستثمار صرخاتها، بدل محاولات التقزيم والتيئيس التي مارسها في الأيام الماضية؟