شهد العقد الأخير من البث التلفزيوني في لبنان، اندثار زمن جميل على الشاشات. لم يعد التحسّر قائماً على مرحلة النوستالجيا التي رافقت الأبيض والأسود على «تلفزيون لبنان»، بل حتى الصورة الملونة اليوم، باتت قاتمة، بفعل تغييب عمدي لفسحة التصقت طويلاً بأجيال متعاقبة، نمت على برامج للأطفال، وتماثلت مع شخصياتها وحفّزت مخيالها. في جردة سريعة على برامج التلفزة المحلية اليوم، تغيب كلياً برامج الأطفال، بعدما كانت حاضرة في السنوات الماضية، ولو بنحو متقطع. قبل «الغزو» الفضائي، وانتشار الصحون اللاقطة على سطوح المنازل، ونشوء قنوات متخصصة للأطفال، ترسخت طويلاً برامج ومضامين، صنعت جزءاً من طفولة كثيرين ــ رغم الإمكانات المتواضعة ــ وحرست ذاكرتهم، وصنعت لهم أجمل الأيام حتى في عزّ زمن المدافع والتفرقة على الهويات. من البرنامج الأشهر «عالم الصغار» الذي كانت تقدمه مهى سلمى في منتصف الثمانينيات، إلى «كيف وليش؟» (1993) على lbci، مع ديزيريه فرح، المعروفة بـ «ديديه»، و«المنار الصغير» على «المنار»، وصولاً الى «ميني استديو» (mtv)، واللائحة تطول عن مرحلة ذهبية رافقت الأطفال وحتى الناشئة، في تقديم فسحة من الفرح والتثقيف. إلا أن الشاشة المحلية الصغيرة لم تتخلّ عن هذا الأمر في برمجتها كما هي الحال اليوم. ورغم فرض «قانون المرئي والمسموع» (وجوب أن تبث المؤسسات التلفزيونية والإذاعية بمعدل 146 ساعة من برامج الأطفال والناشئة والشباب سنوياً)، إلا أننا نشهد تغييراً جذرياً في هذا النمط من البرامج، لمصلحة برمجة تتكئ على المضامين الهابطة والاستهلاكية. وحده برنامج «كازادو» (Kazadoo) الذي تعدّه وتقدمه ريم نعوم على otv صامد منذ عشر سنوات. البرنامج المتخصص في مخاطبة الأطفال، ومحاكاة خيالهم وتقديم المعرفة لهم، ظلّ وحيداً في الميدان وسط فراغ لافت يعصف بهذا المجال. هكذا، تدريجاً، اختفت برامج كانت تضجّ بها القنوات، واختفت معها أفلام وإنتاجات غير لبنانية كرتونية، فيما بقيت بعض العروض المسرحية، التي تخصص لها lbci مثلاً حيّزاً صغيراً كل نهاية أسبوع.
عصر التكنولوجيا والإلكترونيات التي تتنقل بين أيدي أطفالنا، والأقراص المدمجة الجاهزة للعرض... كل هذه المشهدية «جرفت» معها برامج الأطفال عن الشاشة المحلية، مع دخول الأخيرة في عصر الاستهلاك، وهاجس تحقيق الأرباح والمشاهدة مهما كان الثمن. فماذا تقول ريم نعوم عن هذه المشهدية؟ وما سرّ صمودها على الشاشة البرتقالية في غياب أي منافس لها؟ بطبيعة الحال، تربط نعوم ما يحصل اليوم على صعيد برامج الأطفال، بالنمط الاستهلاكي الذي دخلته القنوات، فقد باتت تشترط على أي برنامج أن يترافق مع راعٍ إعلاني (sponsor)، ليضمن بقاءه، مع تغييب أي رؤية تخصّ «خلق جيل جديد»، أو رسائل تمرّرها هذه البرامج، ولا سيما الوطنية، للأطفال. نعوم تعزو صمودها مع المحطة التي تعمل داخلها، إلى التغيير الدائم الذي يترافق مع برنامجها اليومي، إذ تشتغل على كسر الروتين، والتجديد في الأفكار والشخصيات، مع الاحتفاظ بهامش نوستالجي يتعلق بالأغنيات التي ترسخت في عقول الصغار (أكثر من 200 أغنية). ويدأب هؤلاء بين الحين والآخر على طلب هذه الأغاني القديمة، لشدة تعلّقهم بها، مع تخصيص البرنامج المذكور فقرةً ثابتةً تخصّ هذا الحيّز. ليست ريم نعوم فقط وجهاً تلفزيونياً يحبه الأطفال ويألفونه، بل عمدت في الفترة الأخيرة إلى توسيع أنشطتها، لتطاول المسرح. فهي تصرّ على تنفيذ مجموعة عروض، لإيمانها بأن الساعتين اللتين يمنحهما الأهل لأبنائهم، تعتبران «وقتاً ثميناً»، وتحتويان على الكثير من المضامين التربوية والترفيهية، بأسلوب مبسّط. هذه التجربة التي دفعتها إليها ابنتاها الصغيرتان، وحبهما للمسرح، قادتها أيضاً إلى تأسيس أكاديمية (انضم إليها إلى اليوم نحو 70 طفلاً)، قبل أربع سنوات، لتعليم الصغار التمثيل والغناء، والوقوف على المسرح. تجربة تراها نعوم مهمة جداً، لكونها تساعد الطفل على كسر خجله، وبالتالي التعبير عن ذاته أمام الملأ. وتستفيد نعوم أيضاً من هؤلاء لتصوير كليبات، أو تسجيل أغنيات جديدة معهم. تستوحي صاحبة «كازادو»، أفكار مسرحياتها من طفلتيها، ومن المحيطين بها، كما تقول لنا. في الفترة الأخيرة، مثلاً، ركّزت على قضية «التنمّر»، بما أنّ طرح الموضوع يساعد الأطفال على مواجهته، ويحرّرهم من أي عقد نفسية. وعن غياب المنافسة مع البقية، تتحسّر نعوم على هذا الأمر، قائلة إن المنافسة تحفّز لديها الإرادة بأن يكون برنامجها أقوى. وأخيراً، ترى ضرورة أن يخاطب البرنامج الأطفال باللغة العربية، أو المحكية اللبنانية، ويتناول قضايا ومناسبات وطنية.