أيّ جنون هذا الذي يعصف بالإعلام اللبناني؟ وسط أتون التفجيرات التكفيرية المتنقلة وشظايا الموت والرعب الممتد على كل الأراضي اللبنانية، تأتي وسائل الإعلام لتنسف كل المعايير المهنية والأخلاقية، وتمارس الترهيب من خلال بث الشائعات. في ظل السباق المحموم بين القنوات واللهاث خلف السبق الصحافي، استفحل استسهال القنوات حتى وصل الأمر ببعضها إلى «تنصيب» الناس «إرهابيين وانتحاريين». هذا ما حصل أمس مع الشاب أحمد فوزي عبد الكريم الذي حوّلته وسائل الإعلام إلى «انتحاري» صاحب تفجير الهرمل يوم السبت. سريعاً، صار الشاب المسكين حديث الناس، وأضحت صورة بطاقته العسكرية في متناول الجميع، قبل أن يتبيّن لاحقاً أنّ ما حصل يقع في إطار «مزحة» قام بها أحدهم عندما أخذ البطاقة ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعي!هكذا عرضت lbci الرواية في برنامجها الصباحي «نهاركم سعيد» أمس في تنصّل واضح مما روّجت له قبل ساعة عبر خدمة أخبارها العاجلة، حين أوردت «معلومات لـ lbci ذكرت أن القوى الأمنية تشتبه بأنّ الانتحاري الذي فجر نفسه في الهرمل هو من آل عبد الكريم من فنيدق».

وكان «الجديد» قد سبقها إلى القول بأنّ «الانتحاري الذي فجّر نفسه في الهرمل هو أمجد فوزي عبد الهادي من بلدة فنيدق في عكار». خبران يتقاسمان المعلومة عينها مع فارق إيراد الاسم بصورة خاطئة.
«المؤسسة اللبنانية للإرسال» تنصّلت سريعاً من زلّتها، ملقيةً التهمة على زميلتها «الجديد»، من خلال ريبورتاج لمراسلها إدمون ساسين. ذهب الأخير إلى باب التبانة حيث يقطن عبد الكريم وبدأ بسؤاله عما حدث. ألقى الشاب اللوم على وسائل الإعلام، ولا سيّما «الجديد»، قائلاً بنبرة مستنكرة غاضبة: «دم العالم مش لعبة. بتكبّ خبر والعالم على أعصابها (...) نحن معروفين مين، وشو توجّهاتنا». طبعاً، هذا الموقف راق القناة. الى جانب تنصلها من سقطتها المهنية، راح ساسين يمازح عبد الكريم بسماجة واضحة، إذ قال له: «أنت مكفّي نهارك عادي، ما عندك مشروع تفجير؟» في استخفاف واضح بمشاعر هذا الرجل وغياب الوعي التام بخطورة ما حدث ومسؤولية الإعلام في هذا الإطار.
ليست هذه الحادثة الأولى من نوعها، ولا يبدو أنّها ستكون الأخيرة في ظل الفلتان الإعلامي والجنون غير المسبوق الذي تمارسه القنوات التلفزيونية من دون شعور بالمسؤولية تجاه المشاهدين والمهنة. والأنكى أنها تنأى بنفسها عما اقترفت، وتتقاذف التهم مع غيرها من القنوات المنافسة. هي تعلم جيداً أنها لن تواجه أي مساءلة، فالذي روّج للصهاينة من داخل القواعد العسكرية، وقتل المخطوفين اللبنانيين في أعزاز السورية، وهم أحياء يرزقون، لن تستعصي عليه أن يحوّل تاجر أدوات كهربائية الى انتحاري في رقبته دماء أبناء الهرمل وأشلاؤهم، ويوجّه أصابع الاتهام الى عائلة ومنطقة بأكملها (فنيدق).

يمكنكم متابعة زينب حاوي عبر تويتر | @HawiZeinab