ليس من السهل أن نحكم أو نجزم على عام دون آخر. الأعوام تمضي ولا ندرك ضرورتها ولا ضرورتنا فيها. قد يكون ٢٠١٨ هو عام الكشف ثقافياً واجتماعياً وسياسياً واقتصادياً، ونحن بانتظار ما سيكشفه مستور ٢٠١٩ ثقافياً. أتمنى أن يكون عام ٢٠١٩ هو عام التجلي بكل ما تحمل هذه الكلمة من مضامين ــــ لا أقصد البعد الديني ــــ بقدر ما أعني إعادة الحياة إلى الحياة، إعادة الكتاب إلى أيدي الناخب والمنتخب، القارئ والكاتب. أن ترى الكتاب في المقهى والشارع والبيت والحديقة والسيارة والطائرة والقطار بين أيدي عشاقه. إنها نغمة جديدة لإعادة الروح إلى البياض، بسبب ما جرّت علينا التكنولوجيا من أوهام كالعيش خلف صناديق مغلقة عن العالم ومفتوحة على داخلنا. أمّا ماذا أنتظر من عام ٢٠١٩، فلن أنتظر الكثير. الحياة أقصر من أن أنتظر ٣٦٥ يوماً على غير طائل. لكني أرغب أن يكون عاماً واعياً لصدى الوقت المغروس في أعمارنا، والمدى المغروس في أعماقنا. أرغب أن لا يكون غريم للمثقف العربي سوى الزمن، وعليه ألا يقبل غريماً أقل من ذلك. أن نسعى جميعاً بجهد لحذف المقدس والمستحيل من قاموسنا كي تتجلى الأفكار وتسطع الرؤيا. أرغب أن يعزز الكاتب اللبناني والعربي حضوره الغائب بين الناس، كي لا يزداد الورم الثقافي والترهل الفكري. أن يجعل سواد حبره أكثر صفاء من صفحة البياض، وعليه ألا يخاف الحبر أكثر مما يخاف الورق، وأن يستعد لغده لا لنبش ماضيه. أن يقول لا لكل ما يقتل الهوية، ونعم لإنهاء الأفكار المسبقة عن الحياة، فأصعب شيء في الوجود هو الحياة لأنها ليست لعبة، بقدر ما هي «الأنا» التي تبحث عما يجب أن تكون، لأن وظيفتها أن تتعلم أن تكون. عسى أن نكون معطائين ومحبين ومحترمين: أن نحترم نصوص الآخرين لنحبهم لا أن نحبهم لنحترمهم... وأن نقدم دون منّة أو
حساب.
سيبقى الشعر والموسيقى والرواية والرسم بخير ما دام المثقف بخير. وعليه، فإن المطلوب منه أن لا ينتظر ليحقق خيره، بل أن يعمل ليكون له الخير العميم. بذا نكون قد حققنا أغراضنا حين نبني حداثتنا، دون أن يناولنا إياها أحد. عصر المناولات انتهى، وجاء عصر إنتاج أغراضنا وأفكارنا وإنساننا، لتولد فينا الحياة وتعود الحياة إلى الحياة، عبر العناصر الثلاثة: الهوية، المكان والرؤيا... فنؤكد أننا جديرون في الذهاب إلى المعنى... لتستحقّنا الحياة.
* شاعر لبناني