تداعيات اغتيال جمال خاشقجي وصلت إلى أروقة «العربية». منذ تلك الجريمة، اعتبر النظام السعودي أنّ المحطة لم تستطع التصدي للحملة الإعلامية الواسعة ـ خصوصاً من «الجزيرة» القطرية على ولي العهد السعودي محمد بن سلمان. هذا ما أدى بحسب المتابعين ــــ إلى سلسلة تغييرات طالت قناتي «العربية» و«الحدث» في الساعات الأخيرة. إذ أرسلت mbc أخيراً بياناً حول تشكيل مجلس تحرير جديد، وتعيين نبيل الخطيب مديراً عاماً لـ «العربية» خلفاً لتركي الدخيل. الأخير الذي عيّن في منصب المدير العام لـ«العربية» في 29 كانون الثاني (يناير) عام 2015، يقع عليه اللوم في كيفية إدارة المعركة الإعلامية. فرغم سعودة القناة والتخلّي عن عدد كبير من الموظفين العرب، لم يستطع الدخيل أن «ينهض» بالمحطة كما يرغب «أولياء الأمر». في هذا الإطار، يكشف مصدر لـ«الأخبار» أن خروج الدخيل من «العربية» من دون تعيينه في مركز آخر، هو أشبه باعتراف رسمي بفشله في إدارة «العربية»، وهذه الخطوة لم يكن السعوديون قادرين على اتخاذها في ظلّ صراعهم القائم مع «الجزيرة» وتفوّق الأخيرة في الحرب التي شنتها على النظام السعودي منذ مقتل خاشقجي مطلع تشرين الأول (أكتوبر) الماضي. يضيف المصدر أنّ الدخيل كان على علم بخطوة إقالته، إذ تلقّى إتصالات عدّة في الأيام الأولى لاشتعال قضية خاشجقي، أعربت عن إمتعاض النظام السعودي من «سوء التغطية» في مقابل تفوّق القناة القطرية. هكذا، قبل ساعات من حلول عام 2019، تسرّبت أخبار عن ترك الدخيل منصبه الإعلامي وتعيينه سفيراً للسعودية في الإمارات العربية المتحدة. وجاء هذا التعيين ـــ بحسب مصادر لـ «الأخبار» ـــ بسبب علاقته الجيدة مع الحكّام الاماراتيين، إلى جانب قربه من الديوان السعودي. وأعلنت mbc في بيانها أيضاً عن تأسيس مجلس تحرير لـ«العربية» و«الحدث» برئاسة الإعلامي السعودي عبد الرحمن الراشد، ويضمّ في عضويته كلاً من: مازن تركي السديري، وعلي الحديثي، وسلمان الدوسري، وفيصل عبّاس، إلى جانب تعيين نبيل الخطيب مديراً عاماً للقناتين. ولفت البيان نقلاً عن رئيس مجلس إدارة شبكة mbc وليد الابراهيم قوله إنّ «تأسيس مجلس التحرير يهدف إلى رفد القناتين بأفضل الخبرات، خصوصاً أنه يتمتّع بالاستقلالية الضرورية لضمان مهنية العمل ومصداقيته. ومن أبرز مهام مجلس التحرير دعم ومؤازرة إدارة «العربية» و«الحدث» ومنصّاتهما المتعدّدة، إضافة إلى تطوير القدرات التحريرية والفنية فيهما».من يقرأ البيان، يُلاحظ أموراً عدة أبرزها: عودة الثنائي الراشد والخطيب معاً إلى موقعهما في «العربية» بعدما كانا قد تركاها ـ كلاً على حدة ــ قبل سنوات ولأسباب مختلفة. فالخطيب صحافي فلسطيني كان يعمل في «العربية» ويدير غرفة أخبارها منذ تأسيسها عام 2003 قبل أن يستقيل منها عام 2015 بسبب رغبته في الانتقال للعيش في كندا، لكنه عاد إليها مجدداً. ولا يخفى على أحد أنّ بعض السعوديين شنّوا هجوماً على تويتر على الخطيب إثر عودته، على إعتبار أنه يتبوّأ منصباً مهمّاً في القناة في حين أنّه ليس سعودياً. أما الراشد، فيعتبر الأبرز حالياً بين الاعلاميين السعوديين ممن يقودون دفة تلميع صورة الديوان. الراشد الذي ينتمي إلى الشق الليبرالي في المملكة، عمل مديراً لـ «العربية» منذ عام 2004 لغاية استقالته عام 2014 لأسباب قيل يومها إنها تتعلق ببثّه أحد الريبورتاجات التي تنتقد الوهابية. يشرح مصدر لـ«الأخبار» بأنّ الراشد نجح في إقناع الخطيب بالعودة إلى القناة تحت عنوان عريض هو «نفضة «العربية» واستعادة بريقها مع مؤسّسيها القدامى»، بينما يرمي الديوان السعودي من هذه التغييرات إلى إعادة «العربية» واجهةً إعلاميةً سعودية تمرّر أجندة النظام، وتضمّ فريقاً من الصحافيين المنتشرين حول العالم، وتعزيز قدراتها وتغطياتها بطريقة أدقّ وسريعة وتتضمن «سكوبات» حصرية لها.
عودة الثنائي عبد الرحمن الراشد ونبيل الخطيب إلى المحطة


لكن السؤال الأبرز: ما هي المخططات الجديدة لـ«العربية»؟ يلفت المصدر إلى أن لا تغييرات جذرية في سياسة الشاشة العامة، بإستثناء توسيع شبكة التغطيات في مختلف العواصم، وتعزيز بعض المكاتب في الدول العربية. لكن العنوان الأبرز سيكون التركيز على مخاطبة الشارع السعودي والخليجي بكل إهتماماته. ويضيف المصدر أنّ هذه التغييرات كانت متوقعة ومحسومة منذ اليوم الأوّل لفشل تغطية الاعلام السعودي لخبر مقتل جمال خاشجقي في السفارة السعودية في اسطنبول (تركيا). يومها، وجد الاعلام السعودي نفسه أمام تغطية موجّهة وقوية لـ «الجزيرة» التي تعتبر المنافس الأوّل والأكبر لـ«العربية». ولا يختلف إثنان على أن تأسيس «العربية» عام 2003 جاء رداً على «الجزيرة» التي إنطلقت أواخر التسعينيات من القرن الماضي، وبحث النظام السعودي عن واجهة إعلامية تضع كل ثقلها في نشاطات الديوان وولي العهد. مع مقتل خاشقجي، إستعادت القناة القطرية بريقها في الشارع العربي بعدما فقدته بسبب انحيازها الفاضح في الملف السوري وغيره. وكانت حادثة خاشقجي بمثابة الصدمة التي دمّرت آمال السعوديين بتمكّنهم من إمتلاك أجنحة إعلامية قوية وثابتة. فقد لفتت «الجزيرة» بمتابعتها الحثيثة والحصرية لإغتيال الصحافي وتغطيتها المباشرة لكل التفاصيل وعلاقة ولي العهد بن سلمان بحادثة القتل، ولم يستطع أيّ إعلام خليجي مواجهتها. هكذا، وجد القائمون على الاعلام السعودي أنفسهم في موقع ضعيف رغم إمتلاكهم امبراطورية إعلامية من شاشات وصحف ومواقع الكترونية. من هذا المنطلق، أدت حادثة خاشقجي إلى سلسلة تغييرات في سلّم الاعلام وتمثّلت في تعيين تركي الشبانة وزيراً للإعلام في حكومة جديدة أعلن عنها الملك سلمان بن عبدالعزيز. والمتابع للتغييرات الحاصلة في الاعلام، يعرف جيداً أنها لن تقتصر على الشبانة ولا «العربية» التي تعتبر الواجهة الأهم للنظام السعودي. وهنا، ترى بعض المصادر لـ«الأخبار» أنّ هذه القرارات تشكّل فرصة لعودة وليد آل إبراهيم الذي يتولى مهام رئاسة مجلس mbc، وتوليه أمر تنفيذ قرارات بن سلمان. فقد وجد الديوان السعودي أن عودة الابراهيم ضرورية في هذه المرحلة الحساسة، على أن يقوم بتنفيذ أوامر الديوان وتلميع صورته بشكل «عصري». لذا، سيتم التعاون بشكل وثيق بين mbc و«العربية» («الحدث») اللتين تعتبران شبكة واحدة. لكن ماذا عن مجلس تحرير «العربية» و«الحدث»؟ إذا راجعنا أسماء الأعضاء من جديد (مازن تركي السديري، وعلي الحديثي، وسلمان الدوسري، وفيصل عبّاس...) نجد أنّهم كلّهم سعوديون تولّوا سابقاً مناصب متعدّدة في «المجموعة السعودية للابحاث والتسويق» التي تضم مجلات وصحفاً عدة تابعة للديوان. باختصار، تقف «العربية» و«الحدث» أمام مفترق في بداية عام 2019، وسط كلام عن تغييرات أخرى ستطال الكثير من المواقع في الاعلام السعودي.