يمكن اعتبار 2015 عاماً مفصلياً بالنسبة إلى القنوات اللبنانية. عام شهد ذروة الأزمة الاقتصادية التي بلغت أوجها في شباط (فبراير) من العام نفسه. وقتها، اتّحدت وسائل الإعلام المرئية، في مشهد فريد من نوعه، لتقف على مصيرها المهدد، محاولةً إيجاد السبل لإنقاذ نفسها. منذ ذاك الوقت، وفي ظل غياب الدولة عن هذا القطاع، وعن مسؤولية قوننته وتنظيمه، والقنوات تحاول استرجاع جزء من حقوقها الفكرية، ولا سيّما من «أصحاب الكابلات». هكذا، خرج اقتراح باقتطاع مبلغ 6 آلاف ليرة من هؤلاء، إلا أنّه جوبه بالرفض من قبل أصحاب الكابلات الموجودين في هذا القطاع منذ عام 1996، وتغيب عن عملهم الشرعنة والقانونية. وبعد سقوط الاقتراح، جهد رؤساء مجالس إدارات القنوات المحلية لصناعة باقة مشتركة بين بعضهم البعض بهدف ضمان الحقوق، وإذا بها تذهب أدراج الرياح. ثم قُدّم اقتراح ثالث يقضي بجعل المشاهد يدفع دولاراً واحداً فقط مقابل مشاهدته للقنوات. ثلاث سنوات مرّت، لكن المفاوضات والاجتماعات بين وسائل الإعلام المحلية ظلت قائمة حول صياغة مخرج تستطيع من خلاله الاستحصال على بدائل ممكنة، لسدّ ثغرة في أزمتها. أخيراً، انتشر خبر إيكال شركتي «هولكوم» و«سما» (تملك حقوق بث «بي. إن» الرياضية القطرية، وOsn) مهمات جمع القنوات اللبنانية، واحتكار بثها (بالاتفاق معها طبعاً) ضمن باقات موضوعة أمام المشاهد، تتدرج من مبلغ 20 ألف ليرة لبنانية شهرياً (باقة القنوات المحلية، الى جانب mbc)، الى 50 ألف ليرة (القنوات زائد شبكتَي Bein، الرياضية وosn، ومحطات الـ Premium).
(محمد نهاد علم الدين ــ لبنان)

هكذا، تداول الإعلام فكرة الاحتكار (الأخبار 7/12/2018)، من دون أن يكون للمشاهد أي علم بما يحدث، كما حصل مع إقفال بعض القنوات مواقعها الإلكترونية، وإتاحتها فقط مقابل بدل مادي، أو اشتراك عبر البريد الإلكتروني. إتفاق صوِّر بداية على أنه نهائي، ومعقود بين جميع القنوات اللبنانية بالتراضي. رئيس مجلس إدارة lbci، بيار ضاهر، كان من أكثر المتحمسين لهذه الصيغة. إذ قال في حديث سابق مع «الأخبار» إن «قوننة البث للشاشات موضوع قديم، جرت مناقشته منذ عام 2015»، وأضاف محقّاً إن «أصحاب الكابلات يستولون على إشارات بث القنوات من دون إذن أصحاب المحطات».
إلا أنّ مشهداً آخر كشفت عنه mtv أول من أمس في تقرير إخباري لها. تقرير (إعداد رنين إدريس)، وصف ما يحصل اليوم، بين الشركات التجارية والقنوات، بأنه محاولة «لاحتكار السوق الإعلامي». المحطة اتهمت تحديداً كلاً من lbci، و«الجديد»، بالسعي نحو «التفرّد» بقرار البث، وتوزيع تردداته. رئيس «المجلس الوطني للإعلام»، عبد الهادي محفوظ، لمح الى شركة منوي إنشاؤها بين قنوات lbci، و«الجديد»، و«المستقبل»، وotv، واصفاً إياها بـ«الخصخصة الموازية»، التي تسعى الى إنشاء شركة تكون بديلاً من المرفق العام، مع التأكيد على فكرة الاستئثار التي ينوي هؤلاء فعلها مع البقية. التقرير وجه سهامه تجاه كل من تحسين خياط، وبيار الضاهر، ووضعهما ضمن خانة «الجشع».
تقرير قناة «المرّ»، الذي أعلن رسمياً خروجها من الاتفاقية، لم يشرح بالتفاصيل كواليس ما حدث، وسبب فضّ الشراكة، أو أقله خروج المحطة من الاتفاقية، مع رفض القناة الحديث إلى «الأخبار»، عن طبيعة الخلاف الحاصل، والاكتفاء بمضمون التقرير ليكون معبّراً عن المسار الذي اتخذته أخيراً. رئيس مجلس قناة nbn، قاسم سويد، الذي انضمت قناته الى باقة المعترضين، يكشف في حديث مع «الأخبار» سبب الخلاف مع باقي القنوات. إذ كان الاتفاق معقوداً ويجري التداول فيه منذ سنوات، الى حين تقرير كل من lbci، و«الجديد»، وotv، و«المستقبل» إنشاء شركة خاصة للقنوات، سميت مبدئياً LDN، مهمتها الإتفاق مع الشركتين التجاريتين وفق ما يقول لنا سويد. هذا الأمر يبدو أنه أشعل الجبهة، بين القنوات وقسمها الى جبهتين اثنتين: من جهة، هناك القنوات المذكورة آنفاً، ومن جهة أخرى، هناك الجبهة الثانية التي تنضوي فيها: «المنار»، وnbn، و«تلفزيون لبنان»، وmtv.
ومن المخاوف التي أثيرت حول إنشاء هذه الشركة ـــ كما يلفت سويد ـــ استئثارها، واحتكارها للبقية، ضمن حفلة الاحتكار الأساسية التي ستقوم أصلاً مع الشركتين التجاريتين. الخوف هنا، يكمن في صيغة الإنشاء. إذ لم يصَر الى إنشاء هيئة متساوية بين أعضائها، بل شركة تجارية، ذات أسهم معينة، ويمكن لأي تحالف داخلها أن يقصي الأطراف الأخرى، وحتى يلزمها بشروط غير ملائمة لها.
إذاً، صيغة الاحتكار في الأصل مقبولة لدى جميع القنوات اللبنانية والدخول في نظام الـPay tv، لكن الخلاف وقع أخيراً حول من يستأثر بالقرار ويضع الشروط، ويكون الأقوى. خلاف بالتأكيد سيدفن قرار الاحتكار السوق الإعلامي حياً، وسط مشهدية منقسمة الى هذا الحد، وفوضى مستشرية في السوق الإعلامي والإعلاني، وغياب واضح للدور الرسمي الذي يضطلع بمسؤولية إيجاد الحلول للقنوات ومحاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه.