بغداد | رغم أنّ الحضور العراقي في The Voice متميز جدّاً هذا العام، إلا أنّ مشاركة عامر توفيق في البرنامج كانت الأكثر إثارة وجدلاً. وإذا كانت مرحلة «الصوت وبس» قد كشفت عن أصوات عراقيّة ربّما يكون لها شأنها في نهاية البرنامج، من أمثال عدنان بريسم، وستار سعد، وريتا موفسيسيان، وسيمور جلال، وعلي حسن، وسامر سعيد، ومحمد الفارس، وكرار صلاح، فإنّ ختام هذه المرحلة كان مفاجأة للحكام الأربعة ولجمهور البرنامج ككل، لجهة تقدّم مطرب المقام العراقيّ عامر توفيق (64 عاماً) إلى The Voice، ودخوله في دائرة التنافس مع أصوات تصغره عمراً بعقود. وبذلك، يكون عامر أكبر المشتركين لهذا العام بعد غنائه مقطعاً من الموشحات الفولكلوريّة «إسقِ العطاش».
في بغداد، كانت ردود الأفعال مستوعبة للحال التي دفعت بتوفيق للتقدّم إلى البرنامج، بدءاً من شعوره بخذلان بلاد الرافدين للفنّ عموماً، وعدم الاهتمام به بوصفه فنّاناً يملك صوتاً لا يستهان بإمكاناته، مطرباً وملحناً وعازفاً، وصولاً إلى تصوّره الذي كان يعلنه دوماً للمقرّبين منه بأنّه «يستحق مكانة غير التي هو فيها الآن». حتى إنّه في 2011، عرض عوده الشخصيّ للبيع لتسيير حال عائلته لمدة، كونه موظفاً في دائرة الفنون الموسيقية براتب بسيط، وليس من المطربين الذين يمكنهم تأدية أي نوع من الأغاني. إنّه فنان ملتزم بأداء الموشحات والقصائد التي تعدّ من أصعب الاشتغالات في الغناء، واصفاً إيّاها بـ«مصنع لتخريج الأصوات بضوابط؛ لأنّ الموشح يمتلك في داخله مخارج الحروف الصحيحة والتنقلات الموسيقيّة الصعبة والقرارات والجوابات. الموشحات فن راقٍ فيه متعة وتهذيب للنفس».
ولعلّ من تعامل مع عامر توفيق في بغداد يعرف ثقافته الموسيقيّة العالية والتزامه الشديد بالوقت، إلى درجة أنّه يحضر الأمسية الغنائية قبل ساعتين أو أكثر من انطلاقها. وعندما تريد أن تعرف سرّ حضوره المبكر، يجيبك: «أنا أحترم الوقت ولا أريد لأي ظرف طارئ في بغداد أن يؤخّرني عن موعدي مع الجمهور».
تأثّر عامر توفيق بمحمد القبانجي، والشيخ زكريا وأبو العلا محمد، ولعلّ ظِلال هؤلاء واضحة في تجربته وأدائه. وكان برنامج «ركن الهواة» الذي كان يعرض خلال السبعينيات في بغداد، محطته الأولى التي انطلق منها، ليجري بعدها اختياره ضمن فرقة الفنون الشعبيّة كمطرب مقام عام 1979.
والمعروف عن عامر أنّه يملك آراء، بعضها حاد يبيّن التزامه بنهج فنيّ لا يمكن الحياد عنه، فهو يقول إنّ «المقام العراقيّ لا يؤدّيه إلا رجل، وبالتالي فإنّ الفنّانة فريدة لا تستطيع أن تغني المقامات الصعبة، وليست مثل سليمة مراد وزهور حسين ومائدة نزهت اللواتي اخترن المقام المناسب لأصواتهن».
عضو لجنة تحكيم «ذا فويس» كاظم الساهر فوجئ بعامر خلال تقدّمه للمشاركة في البرنامج، هو الذي تربطه به صداقة قديمة، وقد غنّيا معاً في «فرقة المسرح العسكري» في بغداد، لكنّ «القيصر» لم يره منذ عام 2000.
شعور عامر توفيق بضياع الفنّان وسط الأهوال التي مرّت بها بغداد منذ عقود حتى اليوم، هي التي صيّرته اليوم متسابقاً في لحظة وضع فيها جانباً حسابات العمر وكلمات منتقديه المتوقّعة، كونه ينافس شباباً من أجل نيل لقب تجاوزه هو بتجربته الطويلة.



The Voice: كل سبت 20:00 على mbc1 و20:30 على lbci