الاستحواذ والاحتكار ليسا السبب المباشر لانخفاض الأسعار المتاحة أمام منتجي الدراما المصرية والتي جعلتهم عاجزين عن استكمال التعاقدات وبدء التصوير. فالكواليس تحوي الكثير من التفاصيل المسكوت عنها بسبب التضييق الذي يعانيه كل من يحاول لفت نظر المسؤولين إلى خطورة الوضع.
بشكل عام، تعاني سوق الإعلام المصرية من انصراف ملايين المشاهدين عنها بسبب سيطرة سياسة الصوت الواحد على البرامج الإخبارية وغيرها، وتضمين المسلسلات رسائل سياسية موجهة، ما أدى بالتالي إلى انصراف المعلنين أيضاً، خصوصاً مع تزايد الرقابة الحكومية ووقف حملات إعلانية بشكل صارم ومن دون نقاش. هكذا، انخفض الدخل الذي كانت تموِّل منه القنوات شراء مسلسلات جديدة، وهو في الأساس أقل من كلفة شراء هذه المسلسلات. وبدلاً من الوصول إلى معادلة توازن بين الكلفة والدخل الإعلاني، دخلت الدولة لتستحوذ على شاشات العرض وتمنح شركات الإنتاج التابعة لها ــ تحديداً شركة وحيدة اسمها «سينرجي» ــــ مزايا حرمت منها شركات ذات باع طويل في السوق أبرزها «العدل غروب» و«بي لينك» و«تي فيجين». تراجعت هذه الشركات مقابل فرض «سينرجي» التابعة لمجموعة «إعلام المصريين» سقف أسعار منخفض حتى تضمن عدم تكبّد خسائر نتيجة شحّ المدخول الإعلاني. أمر رفضه العديد من النجوم حتى الآن، أبرزهم ياسر جلال الذي امتنع عن استكمال مشروع مسلسل «لمس اكتاف» رغم نجاحه درامياً لعامين متتاليين، وياسمين عبد العزيز التي رفضت خفض أجرها 50 % دفعة واحدة عن مسلسل «الملكة» وفضلت الاعتذار، فيما لا يزال موقف عادل إمام من موسم 2019 غامضاً.
انسحاب ياسر جلال، وياسمين عبد العزيز ويسرا... ومصير عادل إمام مجهول
وكذلك، انسحب يحيى الفخراني بسبب عدم قدرة الشركة المنتجة لمسلسله الجديد على تمويل التصوير، وستغيب يسرا بالطبع بعد خروج مسلسلها الأخير «لدينا أقوال أخرى» من سباق 2018 بقرار متعنّت من «سينرجي» وعرضه بهدوء وبدون دعاية في الشهر الحالي على قناة «أون». كذلك، أعلن كل من غادة عبد الرازق وعمرو يوسف غيابهما عن الموسم المقبل، بعدما قدما «ضد مجهول» و«طايع» في رمضان الماضي. والأغرب هو عدم تحديد مواقف مسلسلي «بركة» لعمرو سعد و«أهو دة اللي صار» لروبي رغم خروجها من سباق 2018 أي قد يمر عليهما رمضان المقبل من دون الوصول إلى الجمهور. كذلك، توقف مشروع مسلسل «جميلة وابن السلطان» لهند صبري، و«ملائكة إبليس» لغادة عادل.
وسط كل ما سبق، تبدو اليد التي تدير الدراما المصرية من داخل الأجهزة السيادية المصرية صامدة ومتعنّتة، لا تلتفت إلى الآثار السلبية للممارسة السياسية الحاصلة، مراهنةً على أن بعض النجوم سيرضخون في النهاية، ويقبلون بخفض الأجور من دون النظر إلى فرص نجاح الأعمال التي يتم تصويرها في مثل هذه الظروف. نتيجة لكل ذلك، سيُفتح الباب مجدداً أمام منافسين آخرين لنجوم المحروسة بالتأكيد سيبحث عنهم المشاهد المصري مثل الدراما المدبلجة والسورية، وكذلك الدراما التي تقدمها شبكات البث المدفوع مقدماً أبرزها حالياً «نيتفلكس» و«فيو كليب».