القاهرة | خلال الأيام القليلة الماضية، نشر العديد من الصحف المصرية تقارير تؤكد بأن الموسم الدرامي في رمضان 2019، سيكون كارثياً على العاملين في هذه الصناعة. جاءت التقارير بعد منشور مؤثّر كتبته المخرجة المصرية كاملة أبو ذكرى عبر فايسبوك حذرت فيه من فقدان عشرات الألوف من العاملين في هذه الصناعة مصدر دخلهم بعد توقف العديد من المشاريع وهبوط عدد الأعمال المتوقّع عرضها في رمضان المقبل إلى أقل من 10 مسلسلات حتى الآن! علماً أنّ ثلاثين مسلسلاً على الأقل، هو متوسط ما تعرضه الشاشات المصرية في شهر الصوم خلال السنوات الأخيرة، إلى درجة أن بعض المسلسلات كانت تخرج من السباق بسبب عدم وجود مكان لها على خريطة تلك الشاشات ما بين مدفع الإفطار وأذان المغرب.كلّ من كتبوا عن أزمة الدراما المصرية ـــ لأسباب تتعلق بانهيار سقف المسموح بنشره في الصحف المصرية ــــ لم يوجهوا أصابع الاتهام إلى المتسبّب الرئيس في وصولنا إلى هذا الوضع. والمقصود هنا إطباق نظام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، سيطرته على الإعلام المصري بعد استحواذ مجموعة «إعلام المصريين» المملوكة لجهاز المخابرات المصري على شبكات «أون. تي. في»، و«الحياة»، و«سي. بي. سي»، وبوجود وكيلها الإعلاني شركة «دي ميديا» المالكة أساساً للشبكة المصرية الرابعة «دي إم سي» التي تتبع مباشرة لرئاسة الجمهورية. بالتالي بات من حق هذه الشاشات أو بالأحرى مالكها التحكم بأسعار المسلسلات التي شهدت بالفعل ارتفاعاً غير مبرر في السنوات الأخيرة. لكن أبرز المنتقدين لذلك، لم يتوقعوا أن يكون البديل هو الضغط لخفض الأسعار إلى حوالى 30 % من سعرها السابق وبشكل حاد وغير تدريجي من دون النظر إلى أسماء النجوم. في المقابل، تقف القنوات التي لا تزال خارج نطاق شاشات الدولة المصرية، عاجزة عن المنافسة والاستمرار. بالتالي لن تشتري أي مسلسلات جديدة في رمضان 2019. علماً أنّ هذه القنوات تضمّ «دريم» و«النهار» و«المحور» و«القاهرة والناس»، وten. وفي المحصلة، بات الأمل معقوداً على شبكة «أم. بي. سي. مصر» التابعة لشبكة «أم. بي. سي» السعودية. لكن أقصى ما يمكن أن تعرضه هو خمسة مسلسلات، ما يجعل العدد المتوقع للمشاركين في سباق رمضان 2019 حتى الآن قرابة 15 مسلسلاً من دون وجود أي بوادر لحلحلة الأزمة، فالدراما المصرية ــ ومن خلفها الثقافة والإبداع والإنتاج الفني بشكل عام ـــ ليست أولويات على أجندة نظام الحكم في مصر حالياً.
الاستحواذ والاحتكار ليسا السبب المباشر لانخفاض الأسعار المتاحة أمام منتجي الدراما المصرية والتي جعلتهم عاجزين عن استكمال التعاقدات وبدء التصوير. فالكواليس تحوي الكثير من التفاصيل المسكوت عنها بسبب التضييق الذي يعانيه كل من يحاول لفت نظر المسؤولين إلى خطورة الوضع.
بشكل عام، تعاني سوق الإعلام المصرية من انصراف ملايين المشاهدين عنها بسبب سيطرة سياسة الصوت الواحد على البرامج الإخبارية وغيرها، وتضمين المسلسلات رسائل سياسية موجهة، ما أدى بالتالي إلى انصراف المعلنين أيضاً، خصوصاً مع تزايد الرقابة الحكومية ووقف حملات إعلانية بشكل صارم ومن دون نقاش. هكذا، انخفض الدخل الذي كانت تموِّل منه القنوات شراء مسلسلات جديدة، وهو في الأساس أقل من كلفة شراء هذه المسلسلات. وبدلاً من الوصول إلى معادلة توازن بين الكلفة والدخل الإعلاني، دخلت الدولة لتستحوذ على شاشات العرض وتمنح شركات الإنتاج التابعة لها ــ تحديداً شركة وحيدة اسمها «سينرجي» ــــ مزايا حرمت منها شركات ذات باع طويل في السوق أبرزها «العدل غروب» و«بي لينك» و«تي فيجين». تراجعت هذه الشركات مقابل فرض «سينرجي» التابعة لمجموعة «إعلام المصريين» سقف أسعار منخفض حتى تضمن عدم تكبّد خسائر نتيجة شحّ المدخول الإعلاني. أمر رفضه العديد من النجوم حتى الآن، أبرزهم ياسر جلال الذي امتنع عن استكمال مشروع مسلسل «لمس اكتاف» رغم نجاحه درامياً لعامين متتاليين، وياسمين عبد العزيز التي رفضت خفض أجرها 50 % دفعة واحدة عن مسلسل «الملكة» وفضلت الاعتذار، فيما لا يزال موقف عادل إمام من موسم 2019 غامضاً.
انسحاب ياسر جلال، وياسمين عبد العزيز ويسرا... ومصير عادل إمام مجهول

وكذلك، انسحب يحيى الفخراني بسبب عدم قدرة الشركة المنتجة لمسلسله الجديد على تمويل التصوير، وستغيب يسرا بالطبع بعد خروج مسلسلها الأخير «لدينا أقوال أخرى» من سباق 2018 بقرار متعنّت من «سينرجي» وعرضه بهدوء وبدون دعاية في الشهر الحالي على قناة «أون». كذلك، أعلن كل من غادة عبد الرازق وعمرو يوسف غيابهما عن الموسم المقبل، بعدما قدما «ضد مجهول» و«طايع» في رمضان الماضي. والأغرب هو عدم تحديد مواقف مسلسلي «بركة» لعمرو سعد و«أهو دة اللي صار» لروبي رغم خروجها من سباق 2018 أي قد يمر عليهما رمضان المقبل من دون الوصول إلى الجمهور. كذلك، توقف مشروع مسلسل «جميلة وابن السلطان» لهند صبري، و«ملائكة إبليس» لغادة عادل.
وسط كل ما سبق، تبدو اليد التي تدير الدراما المصرية من داخل الأجهزة السيادية المصرية صامدة ومتعنّتة، لا تلتفت إلى الآثار السلبية للممارسة السياسية الحاصلة، مراهنةً على أن بعض النجوم سيرضخون في النهاية، ويقبلون بخفض الأجور من دون النظر إلى فرص نجاح الأعمال التي يتم تصويرها في مثل هذه الظروف. نتيجة لكل ذلك، سيُفتح الباب مجدداً أمام منافسين آخرين لنجوم المحروسة بالتأكيد سيبحث عنهم المشاهد المصري مثل الدراما المدبلجة والسورية، وكذلك الدراما التي تقدمها شبكات البث المدفوع مقدماً أبرزها حالياً «نيتفلكس» و«فيو كليب».