«قَوس قُزَح: الطبيعة والثقافة» (Rainbows Nature and Culture ــــ Reaktion Books ـــ 2018) لدانيال مكّالين، جذب انتباهنا لأنه يتناول ظاهرة أو موضوعاً لا يمكن الإمساك به، كالأفُق. فمن غير الممكن للمرء الاقتراب من قوس القزح أو الإمساك به. من ضمن الأسباب الأخرى التي جذبت اهتمامنا إلى الكتاب هو ألوان هذه الظاهرة الفريدة، إذ يعلّمنا الكتاب الكثير عن قوس القزح مثل أنّ كل واحد صورة محوّرة عن الشمس، وأنه كان سيظهر على شكل دائرة لولا أن سطح الأرض جعله قوساً. إضافة إلى ذلك، فإن كل قوس قزح يراه الناظر فريداً. مع أنه يمكن لعدة أشخاص رؤية القوس في مكان محدد، إلا أنه من غير الممكن لأكثر من شخص رؤية القوس نفسه. السبب أنّ مركز كل «دائرة» قوس يقع على خط وهمي يمتد من الشمس إلى خلف رأس الناظر، ومن هناك إلى العينين، ثم إلى ظله. ولأن ظاهرة قوس القزح هي نتاج انكسار ضوء الشمس في قطرات ماء المطر في الهواء، ولأن الأخيرة في حالة حركة مستمرة غير منقطعة نحو الأرض، فإن الناظر لا يرى القوس نفسه، وإنما سلسلة أقواس متشابهة ناتجة عن رؤية انكسار الضوء الذي يراه الناظر في قطرات المطر المتساقطة باستمرار.

يقول الكاتب: «عرض القوس وارتفاعه يساويان درجتين، يظهر في زاوية 40-42 فوق الخط الوهمي المشار إليه أعلاه. هذا يعني، والكلام للعلماء الذين استشارهم الكاتب، أن أكبر حجم ظاهر للقوس هو عندما تكون الشمس في أدنى ارتفاعاتها، أي عند الشروق والغروب. الناظر الواقف على الساحل، يراه على شكل نصف دائرة أو حتى قوساً كاملاً، بينما يمكن رؤيته على شكل دائرة مكتملة من أعالي الجبال المرتفعة أو من داخل طائرة». قديماً، لم يكن ثمة توافق بين العلماء على ألوان القوس. فقط في القرن السابع عشر، تم الاتفاق على أنه ذو سبعة ألوان هي النيلي والأزرق والأخضر والأصفر والبرتقالي والأحمر، التي تتداخل فيما بينها كما تُظهر ذلك صور القوس بالأبيض والأسود. أما الألوان، فتظهر من خلال ما يسمى metamerism الذي يعني أن عين البشر تحوي ثلاثة متلقيات أو خلايا حساسة لأمواج الضوء هي الأزرق (440 نانومتراً) والأخضر (540 نانومتراً) والبرتقالي (570 نانومتراً). ولذلك فمن الصعوبة بمكان على البشر إدراك اللون الأحمر (700 نانومتر)، لكن من غير الممكن إدراك أي موجة ضوء أطول من 810 نانومترات.
يلفت المؤلف إلى أن ثمة «أقواس قزح» أخرى ناتجة من ضوء القمر وتعرف باللغة الإنكليزية باسم Moonbows (أقواس القمر)، التي تحوي ألوان قوس القزح الشمسية وبالترتيب ذاته، لأن ضوء القمر هو انعكاس لضوء الشمس. لكن نظراً إلى كون سطح القمر غير أملس، ولأن كمية الضوء التي يعكسها قليلة، فإن قوس القزح القمري يظهر باهتاً، بل حتى يصعب رؤية ألوانه.
إضافة إلى ذلك، فمن الممكن لكريستال الثلوج الساقطة أن تنتج ظاهرة «قوس قزح» مماثلة.
ويلاحظ الناظر إلى قوس قزح أنه عادة ما يظهر برفقة قوس ثانٍ، أكبر حجماً، لكنه أقل سطوعاً (بين الدرجتين 51 و54)، ويكون عرضه ضعف عرض الأول، وسبب ظهوره هو انعكاس ثنائي لأشعة الشمس في قطرة المطر الساقطة (عند اختراق الأشعة سطح القطرة ومرة ثانية عند خروجه منها).
يقول الكاتب: «في بعض الأحيان، يظهر قوس قزح ثالث ورابع وحتى خامس. لكن من غير الصحيح الخلط بينها وبين ما يسمى supernumerary التي تظهر على أشكال أقواس أو أشرطة إضافية، عادة عندما تكون قطرات المطر صغيرة (قطرها بين 650 و750 نانومتراً)، وكذلك بين الأقواس الإضافية التي تظهر أحياناً، باللون الأرجواني أو الأخضر.
كما يتناول المؤلف الشيق ظاهرة قوس قزح الأحمر، ويظهر عندما تكون الشمس منخفضة للغاية. السبب أن الشعاع يمر في مسافة أطول في الجو، حيث يتم تناثر موجات الأخضر والأزرق بسبب الغبار وعوامل أخرى ذات موجات أطول من تلك العائدة للأحمر.
وهناك أيضاً أقواس قزح المسماة (glory, pilot›s glory, halos, mock suns, sun dogs) تناولها المؤلف باختصار. كما وجب تمييز قوس قزح من ظواهر أخرى مشابهة مثل الهالة الثلجية (Ice halo) التي تظهر على شكل طبق (circumhorizontal arc) أسفل الهالة الأصلية، علماً بأنه يطلق على الظاهرة الأولى أقواس قزح النارية (fire rainbows)، وعادة ما تظهر في مناطق محيط البحر الأبيض المتوسط بعيداً من القطب الشمالي.

رسم ياباني بالألوان المائية لقوس قزح وتفتح زهور 1907

المصطلح «أقواس قزح النارية» يطلق أيضاً على أشكال سحاب، تظهر بسبب تداخل موجات الضوء وليس بسبب انعكاسها. بعدها، ينطلق الكاتب للحديث عن الرحلة العلمية الطويلة التي صاحبت معرفة أسباب هذه الظاهرة المسماة قوس قزح، وخصص لها الفصل الثاني بعنوان «أقواس قزح في تاريخ الأبحاث العلمية». فمن المعلوم أن أرسطو طرح نظريته عن قوس القزح اعتماداً أيضاً على من سبقه من الإغريق ومنهم أناكسوغوراس (anaxagoras) المتوفى عام 428 ق ت س، وأناكسيمينس من ميليتوس (anaximenes of miletus, 550 bce) وهسيودوس (hsiod, 700 bce). يشرح الكاتب كافة النظريات التي طرحت في الماضي والمشاكل العلمية التي أثارتها وجعلتها غير قابلة للحياة. ومن النظريات اللاحقة التي طرحت تلك العائدة إلى بوسيدونيوس (posidonius) وسِنِكا الأصغر المتوفى عام 65 ت س، والإسكندر الأفروديسي (alexander of aphrodisias, 200 ce)، وأولمبردس الصغير (olympiodorus the younger).
في القرن السابع من التأريخ السائد، اقتحم الدين عالم العِلم وقررت الكنيسة أن ألوان قوس القزح أربعة، تشير إلى العناصر الأربعة وهي الماء والهواء والأرض والنار. هذه الفكرة الجديدة تغلبت على نظرية ثلاثية الألوان التي كانت قد كسبت بعض القبول بسبب إشارتها إلى التثليث اللاهوتي. فالقديس بيدا (Bēda Venerābilis,  672/3 – 26 May 735)، وهو قسيس إنكليزي الأصل طرح أن العناصر الأربعة آنفة الذكر تشير إلى الألوان الأربعة وهي الأحمر والأزرق والأخضر والبني.
من الطبيعي أن ظاهر قوس القزح استقطبت اهتمام العلماء في الخلافة الإسلامية. فمع أن حاكم مصر البطلمي بطليموس الثاني (309-246 ق ت س) ابتاع كميات كبيرة من مؤلفات أرسطو، إلا أن فضل العودة لنقاش ظاهرة قوس القزح تعود إلى علماء الخلافة الإسلامية الذين انصبوا على دراسة المؤلفات الإغريقية وترجمتها إلى العربية ثم انتقلوا إلى التأليف والإسهام في مسارات الحضارات الإنسانية. فقد قام الطبيب السوري/ السرياني أيوب الرهاوي بمناقشة نظرية أرسطو، إلا أن التفصيل في النظريات أتى لاحقاً على يد ابن سينا (توفي عام 1037 ت س) الذي نظر في مسألة انقلاب ترتيب الألوان في قوس القزح والقوس الثاني. ابن الهيثم (توفي عام 1040 ت س) كان أول من وضع قاعدة رياضية لانكسار الضوء، دوماً وفق ما أورده كاتب هذا المؤلف. لكن قطب الدين الشيرازي (1236-1311 ت س) كان أول من وضع أسس انكسار الضوء في قطرات الماء، انكسارها على سطح قطرة الماء وانكسارها الثاني في داخل القطرة.

تمثال توماس مونتسر قائد الثورة الفلاحية (1489-1525) في ألمانيا يحمل قوس قزح

فَتَحَ سقوط الأندلس واحتلال الفرنجة مدينة قرطبة ومصادرة مكتبتها العظيمة، المجال أمام علماء الغرب الاطلاع على كتابات ديار الإسلام العلمية العربية والمترجمة عن اليونانية. يورد الكاتب تفاصيل تطور البحث العلمي في ظاهرة قوس القزح، أو لنقل: ظواهر، ويمكن للراغب الاطلاع عليها في المؤلف. لكن يمكن اختصار تلك المسيرة الحديثة، وفق الكاتب في «من ثيودوريك إلى ديكارت/ from theodric of freiberg to descartes. علماً أن الأول لم يكن قد اطلع على كتابات قطب الدين الشيرازي، دوماً وفق الكاتب. لفتت الظاهرة انتباه العلماء من كافة الفئات بمن فيهم غوته الذي تناولها بالبحث. خصص الكاتب الفصل الثالث «أقواس القزح والخرافات» للحديث في موقع قوس القزح في الأساطير والخرافات، ويذكر كثيراً منها عُثر عليها في مختلف الحضارات ولدى أقوام كثيرة، في إفريقيا وشمال أوروبا وشرقي آسيا وفي أساطير وخرافات «هنادرة» (الهنود الحمر) العالم الجديد وجزر المحيط الهادي والهند والصين واليابان وغيرها. وقد عثر الكاتب على بعض نقاط اللقاء بين أساطير وخرافات جزر المحيط الهادي من جهة وأساطير إفريِقِيَّة وأخرى هندرية، والقسم الكبير منها مرتبط بأساطير بابل وآشور. كما يظهر قوس قزح على هيئة قضيب مقطوع الرأس في بالي والإلهة أوما. من الطبيعي أن قسماً من الخرافات في مختلف المناطق مرتبط ارتباطاً وثيقاً بأساطير العهد القديم عن الفيضان العظيم، وعن ميثاق إله التوراة يهوه مع نوح، ووعده له بأن لا يبيد البشرية المعادية له بالفيضان، لكنه خصص لهم الإبادة عبر الأوبئة وما إلى ذلك. وهناك اتفاق بين أهل الاختصاص على أن حكاية التوراة عن الفيضان العظيم مأخوذة من التراث البابلي والآشوري. فعشتار هي إلهة الحرب والجنس والخصوبة.
اقتحم الدين عالم العِلم وقررت الكنيسة أن ألوان قوس القزح أربعة، تشير إلى الماء والهواء والأرض والنار


في الأساطير التي سرد الكاتب بعضها يظهر قوس قزح على هيئة قوس، وهو كذلك في التراث المسيحي-اليهوذي. وعندما يظهر على هيئة قوس، فإنه سلاح للحرب أو للصيد، وهو يظهر على هذا النحو في بعض أساطير الهند، وليس ثمة من مجال في هذا العرض المختصر للخوض في تفاصيل تلك الأساطير والخرافات المثيرة، رغم متعة قراءتها. مع أن قوس قزح يظهر في الأساطير على هيئة بناء كوني أيضاً، إلا أنه يتجلى في الوقت نفسه على هيئة مخلوق. فالإلهة الإغريقية-الرومانية إريس هي تجسيد لقوس قزح، ويظهر كمخلوق في الحكايات في الغرب وفي قصص الأطفال. وفي أساطير أخرى، يظهر القوس على هيئة الحظ والخوف، ونرى ذلك في ألبانيا وبوهيميا وفرنسا والمجر وصربيا. الفصل الرابع خصصه الكاتب للحديث في قوس قزح في الأدب والشعر والموسيقى، في الغرب على نحو عام.
تحدث الكاتب في الفصل الخامس عن قوس قزح في الفن والسينما. وفي ما يخص الأفلام، ننوه هنا إلى قول الكاتب بأن لون خلفية ملصق فيلم Eyes wide shut الشهير يربط بطله بلون قوس القزح السفلي. الفصل السادس والأخير خصصه الكاتب للحديث في دور قوس القزح في السياسة والثقافة الشعبية، مثل شعار حركة السلام العالمية (1800-2000)، وحركات المثليين واليسار الجديد (1969-2000)، وفي التحالفات السياسية (مثلاً شعار تحالف القس جسي جاكسون المعادي للرئيس الأميركي رونالد ريغان)، وفي إفريقيا ما بعد الاستعمار، وكذلك معاداة قوس