ما إن فتح الحارس الباب، حتى تسابق عدد من المارّة والسيّاح للدخول إلى «خان صاصي» في صيدا القديمة. منذ عام 2010، كان العبور إلى أحد أكبر المعالم التراثية في البلد القديمة ممنوعاً، بعدما بدأ مالكوه من آل صاصي ورشة ترميمه حينذاك. قبل ذلك، كانت طبقاته الثلاث وأجنحته المتعدّدة وأقبيته وعليّاته المقنطرة مشرّعة أمام عائلات صيداوية شرّدها زالزال عام 1956. سكنت في بعض أجنحته وأدخلت إنشاءات إسمنتية على طرازه العمراني العثماني، فيما غلب الإهمال أقسامه الأخرى. تلك العائلات وغياب المالكين ومرور الزمن، غيّبت دار الآغا علي حمود، أحد أبرز وجهاء المدينة (المشيّد عام 1720 وفق العمارة العثمانية)، عن الخريطة التراثية لصيدا القديمة. استحوذ «قصر دبّانة» الملاصق على الاهتمام، على الرغم من أنّه توأم «قصر صاصي». العائلة الشامية الأصل، اشترت قسم الحرملك (جناح إقامة النساء والأطفال) من دار حمود مع مخازن التموين وإسطبل الخيول في نهاية القرن الثامن عشر. فيما آل دبانة اشتروا قسم السلاملك (جناح الاستقبالات). الترميم كشف المزيد من الأسرار. أعمال الحفر أظهرت وجود إنشاءات تحت الأرض رجّح اختصاصيو الآثار أنّها تعود إلى عهد المماليك، فيما يعود جزء من الإنشاءات إلى عهد الصليبيين، إضافة إلى البناء الحالي العثماني.
(علي حشيشو)

على الرغم من إنجاز الترميم، لم يُفتح الخان للعموم كما الحال مع «قصر دبانة» و«خان الإفرنج» و«متحف عودة». مالكوه نظّموا فيه حفلات خاصة وأمسيات موسيقية خُصّصت لجمع تبرّعات لمؤسسات خيرية.
مساء اليوم الجمعة، سيفتح «خان صاصي» أبوابه للعموم مجاناً بمبادرة من الناشطَيْن الصيداويَّيْن ميساء يعفوري وفراس زيدان، بهدف اكتشاف كنوز صيدا القديمة المخبّأة. يقول زيدان إنّ الفكرة انطلقت من تراجع الحركة الاقتصادية والسياحية في المدينة الجنوبية في السنوات الأخيرة، في مقابل ازدهار مدن أخرى، مضيفاً أنّه «مع أنّ صيدا غنية بالمعالم الأثرية والتراثية، فإنّ الزوار لا يعرفون سوى حيّز قليل منها».
اختار الناشطان دعوة الناس لاكتشاف «قصر صاصي» على وقع الموسيقى والإنشاد الصوفيَّيْن «الملائمَيْن للمكان»، تقول يعفوري. وستحيي الأمسية فرقة «تجلي صوفي»، المؤلّفة من عازفين صيداويين وسوريين، هم: زكريا العمر (عود ــ غناء)، وطارق بشاشة (كلارينيت)، وعبودي جطل (إيقاع)، وربيع سعيد أحمد (غيتار)، وراغد نفّاع (تشيللو). «التجلّي» سيتواصل على مدى ساعتَيْن في صالة القصر الرئيسية. عشر قصائد لشعراء الصوفية أمثال الحلّاج، وابن عربي، وابن الفارض، على أنغام حديثة بمذاق تركي وأندلسي وشرقي وهندي ومغربي. العرض «لا يبغي الربح» تؤكد يعفوري، مشيرة إلى دعم بلدية صيدا وغرفة التجارة والصناعة والزراعة في صيدا والجنوب.