عندما قرّر الإغريق والرومان تجسيد آلهة العدالة، صمّموا تماثيل لامرأة جميلة حمّلوها ميزاناً وسيفاً وعصبوا عينيها، دلالة على العدل والعقاب والحيادية. بات ذلك رمزاً للعدالة تناقلته الحضارات وتعتمده معظم الدول حتى يومنا هذا، لكن لم يخطر في بال الرومان والإغريق أبداً أنّ مفهوم العدالة ورمزها سيقعان بيد فريق آل الحريري!
الجناح الإعلامي التسويقي للفريق قرر أخيراً التفنّن برمز العدالة بعدما حجّم مفهومها.
مواكبةً لحملة «زمن العدالة» الترويجية، يعرض تلفزيون «المستقبل» شريطاً على مدار الساعة يظهر فيه التمثال التاريخي، «سيدة العدالة»، معصوب العينين يحمل السيف والميزان. تمام! لكن عندما يصدح شعار «زمن العدالة» بعد ثوان من بدء الشريط، ينزع التمثال الوشاح عن عينيه وينظر مباشرة الى الشاشة/ المشاهدين.
أراد الإغريق والرومان أن تكون العدالة حيادية ولا تتأثر في حكمها بما تراه حولها، فعصبوا عينيها. حتى في النسخ التي تخلو من العصابة، تظهر عينا التمثال مغمضتين أو بيضاوين، لكن لمبدعي فريق الحريري الإعلامي نظرة مختلفة، أعمق ربما وأجرأ. هم لا يريدون أن تبقى «العدالة» مغمّضة عيونها، بل يريدونها أن ترى ما يدور حولها، إذاً، أن تقرّر لا وفق المعطيات القانونية وتحكيم العقل، بل وفق الأمزجة والغرائز والظروف المحيطة. يريدون من Iustitia آلهة العدالة عند الرومان أن تردح معهم وتنظر في عيون المشاهدين والقَتَلة مباشرة من الشاشة. لم يطق القائمون على تلفزيون «لعيونك» أن يبقى الوشاح على عيني تمثال جميل، فرسموا له نقطتين صغيرتين في وجهه غير آبهين بتشويه رمز تاريخي وبتحوير مفهوم الحيادية في العدالة. شهَرَها إذاً إعلام «المستقبل»: نريدها «عدالة» غير حيادية.
لو كان إعلام ٨ آذار هو مَن ارتكب هذا الخطأ المعيب، لكان «المستقبل» قد خصص كليباً للموضوع بثَّه خلال تغطية مجريات المحكمة الدولية وفي كل فرصة أخرى سانحة. ولكان نديم قطيش عرضه على «قَومه» ساخراً من «جهل الفريق الآخر»، ولكانت «الدكتورة مي شدياق» استُضيفت في أكثر من مداخلة لتشرح عن Thémis الالهة الإغريقية، باللكنة المطلوبة وبالازدراء المعتاد للمحور الآخر «الهمجي». يسجّل لفريق آل الحريري السياسي والإعلامي براعته في اصطياد أخطاء الطرف الآخر وتعميمها و«الردح» بشأنها فترة طويلة. وهذا عامل قوة لدى مجموعة قررت التعاطي مع جريمة سياسية كبيرة كـ «منتج» تجاري قابل للتسويق، لكن قبل خطأ «عيون العدالة»، ارتكب الفريق نفسه أخطاءً أخلاقية ـ ترويجية عديدة. منذ ٢٠٠٥، ربطوا مصير اللبنانيين بتقلّبات الاتهامات وتطوّر مسار قضية المحكمة. اختصروا كل الحقائق بـ «حقيقة مَن اغتال رئيس الوزراء السابق ورفاقه» (شعاري «الحقيقة» و«الحقيقة لأجل لبنان»). وحسَبوا أيام المواطنين بعدّاد مرتبط بتلك الحقيقة (في الطريق وعلى الشاشة)، وهذا تهشيم واضح لمفهوم الحرية. ثم، حبّاً بالديموقراطية، قسّموا المقترعين في كل حملاتهم الانتخابية الى أبرياء وقَتَلة! واليوم، جاء دور تحجيم مفهوم العدالة، عند الإعلان أنّها ستحلّ على جميع مقهوري هذا البلد، مع أول ضربة مطرقة في المحكمة الدولية! لكنّه «زمن العدالة غير الحيادية»، كما أعلنه «المستقبل» والردّادون. فلماذا ننتظر حكماً باطلاً؟