بغداد | مَن في بغداد لا يعرف «غاليري أكد»، ذلك المكان الأثير الضاج بألوان الحياة وبتجارب التشكيليّين العراقيّين، الذي كان يحتفي بالروّاد ويحتضن أسماء شابة في «شارع أبي نواس» وسط بغداد؟ إنه خبر محزن حقاً، لقد أصبح اسم «أكد» في خبر كان، بعدما استسلم صاحبها للأقدار ورضي بإدارة غاليري أخرى تابعة لأمانة بغداد.
انطلقت الغاليري عام 2001، وكانت القاعة الوحيدة في «أبي نواس»، التي عادت لتستأنف أعمالها فيه بعد أحداث 2003، ثمّ أغلقت أبوابها بسبب أحداث العنف الطائفي عام 2006، لتفتتح مرّة أخرى في 2007، لكنها اليوم تغلق نهائياً بعدما تسلّم صاحب المبنى الذي تقع فيه، أمراً قضائياً بإخلائها تمهيداً لبيعها وتحويلها إلى مركز تجاريّ أو مطعم. هذه باختصار سيرة مرفق فنيّ بارز في العاصمة العراقيّة، يواجه هذا المصير، برغم مناشدات ودعوات لإنقاذه وإيقاف مشروع وأده الذي نجح في نهاية الأمر.
وإذ يمرّ أصدقاء «أكد» وروّادها القدماء وجمهورها اليوم، تستوقفهم التغيّرات السريعة في واجهة المكان، حيث اسم الغاليري وشعارها قد أزيلا مع لوحة الإعلانات. لا معارض تحتضنها بعد الآن، ولا ضحكات أو حوارات ستتجدّد هناك، كأنّ ما حصل جزء من محو شامل لذاكرة فنيّة وثقافيّة، حين لا تجد أماكن كهذه من ينقذها، أو حتّى يلقي عليها تحيّة وداع أخيرة تقديراً لما قدّمته.
من منّا لا يتذكر أناقة الكراسات التعريفيّة التي كانت القاعة تصدرها مع كلّ معرض، يوم احتفت بالكثير من الأسماء التشكيليّة المهمّة، منها معرض استعادي للفنّان الراحل شمس الدين فارس، ومعارض لفاخر محمد وإبراهيم العبدلي، وتركي عبد الأمير، وحسن عبد علوان، وستار لقمان، وصادق الصائغ، وأحمد نصيف وسهى الجميلي وصلاح هادي بشن ومعراج فارس. نعم خسرنا اليوم مركزاً فنياً مهماً، وبقي تمثال أبي نواس وكأسه وحيدين في الشارع البغدادي الأشهر. الغاليري الجميلة المجاورة لهما، غادرتنا روحها لتجاور أرواح العراقيّين الغالية التي تفارقنا كل يوم. لقد ذهب المكان في إغفاءة أبديّة، ولم يودعه سوى أبي نواس، بتلويحة وداع أخيرة. كأنه يقول مواسياً «لقَدْ طالَ في رَسْمِ الدّيارِ بُكائي... وقد طالَ تَردادي بها وعَنائي».