عدا أنّه عميد الأكاديمية الفرنسية، أعرق مؤسسة أدبية في بلاد موليير، فإنّ مسيرته الإبداعية والشخصية زاخرة بالصدف والمفارقات والمعاناة والعطاء المتنوّع. الشاعر والمؤلف المسرحي الفرنسي رينيه دو أوبالديا (1918) الذي يعدّ رائد المسرح العبثي الساخر، انتقل أخيراً إلى لغة الضاد بفضل الشاعر هنري زغيب. إذ ترجم الأخير كتابه «جواهر عمر» (دار درغام) وسيحتفل بإطلاقه ضمن «معرض الكتاب الفرنكوفوني» الشهر المقبل في بيروت. عاش دو أُوبالديا طفولةً صعبةً. ولد في 22 تشرين الأول (أكتوبر) عام 1918 في هونغ كونغ حين كان والدُه قنصلَ باناما في الصين. بعد انفصال والدَيه، عادت أُمه به وبشقيقَيه إِلى وطنها فرنسا. وهنا، وجدت عملاً في «شبكة ﭘـيـجـيـيه لإِدارة المدارس الخاصة»، وعهدَت بتربيته إِلى والدتها هونورين، فنشأَ في وسَطٍ ريفيّ بين العمَّال والفلاحين. في عام 1940، انضمّ إِلى الخدمة العسكرية الإِلزامية، ووقع في أَسر النازيين فأَرسلوه إِلى سيليزيا، وفيها معتقل ستالاغ، ونقلوه إِلى العمل في مصنع فخَّار (26 حزيران 1940)، ثم أَرسلوه (6 تشرين الأَوّل 1940) إِلى منأى أَلماني بَعيد يَشتغل بجمع النُفايات من الغابات. في 1944، ساءَت صحتُه في الأَسر فأُعادته السلطات النازية إِلى فرنسا في وضع صحي دقيق. بعد الحرب العالمية الثانية، راح ينشُر شِعره (بِاسْمٍ مستعار موريس إِيغور)، ويكتب كلماتٍ للأَغاني (غنّى بعضَها التينور لويس ماريانو)، وامتهن التمثيل السينمائي فترةً في أَدوار ثانوية مع صديقه الممثل لوي جوفـيه. وفي المسرح مثَّل لاحقاً دور أَرملة في مسرحيته «المرحوم» (1969). مجموعته القصصية «الثروات الطبيعية» التي صدرت عام 1951، عرفت نجاحاً مقبولاً، ممهدةً لمسرحيتَه الأُولى Génousie التي لاقت بعض النجاح. في عام 1963، أَخرج له أندريه بارساك مسرحيته الساخرة الثانية (Le satyre de la Villette) فلاقت شهرة واسعة جعلت النقاد يسمُّونه «رائد المسرح العبثي الساخر». لكن النجاح الساحق سيكون عام 1965 مع مسرحيته الساخرة الثالثة «هواء في أَغصان الساسافراس» التي تَوَالت ترجمتها إِلى 28 لغة عالمية. في 1999 (24 حزيران)، انتخبتْه الأَكاديمية الفرنسية عضواً للمقعد 22 (شغَر بوفاة جوليان غرين). ومنذ 2012 (بوفاة فيليسيان مارسو) أَصبح هو عميدَ السن بين «الخالدين» (ولا يزالُ حتى اليوم أَكبر الأَعضاء سناً). حاز دو أوبالديا أَوسمة وجوائِزَ كثيرةً بينما تنوعت مؤَلَّفاته، بين شعرٍ ونصوصٍ نثريةٍ وروايةٍ ومسرح، تميَّزت بمعظمِها بالخيال والفانتازيا اللغوية ونكهة السخرية والدعابة.

* يحتفل بإطلاق كتاب «جواهر عمر» في «معـرض الكتاب الفـرنكوفوني» (الساعة 5 بعد الظهر نهار الجمعة 9 تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل