في أواخر صيف 2016، استقبلت «الجمعية اللبنانية للفنون – رسالات» السينمائي الإيراني إبراهيم حاتمي كيا (1961) الذي ينتمي إلى الجيل السينمائي الأول بعد الثورة الإسلامية في إيران. خلال تلك الزيارة الخاصة، ألقى حاتمي كيا عدداً من المحاضرات. ولعل من أبرز الملاحظات التي شدد عليها وقتها كانت عن الظلم الذي يحصل جراء «تغييب أهمية دور مجاهدي الدفاع المقدس في المشهد الإعلامي». وقد أشار إلى ضرورة العمل على تصويب الرأي العام إلى تضحيات هذه الفصائل خصوصاً الإيرانية منها. والذين يعرفون كيا جيداً، علموا أن هذه الملاحظة ليست سوى تصريح ضمني لمشروع لا يلبث أن يظهر. فكيا يعتبر من أهم المخرجين الإيرانيين الذين عملوا على القضايا الإنسانية المتعلقة بالحرب، واشتهر بالمخرج الأيديولوجي وصانع الأفلام الانتقادية الموالية لقضية الثورة ومفهوم الجهاد.وفعلاً، ما هي إلا أشهر قليلة حتى كان كيا يتنقل في جولة مفصلة على المحاور في المناطق السورية. جمع العديد من القصص والمعطيات عن تلك المحاور والجبهات، وخلص إلى اعتماد قصة تبرز محطة من هذا الدفاع بوجه التكفيريين، ووضعها ضمن قالب درامي قبل أن يتفق مع شركة «أوج» التي تعتبر من أهم المؤسسات في إيران (تنتج سنوياً أفلاماً ومسلسلات عدة). في منتصف 2017، قدم فريق إلى سوريا ولبنان، حيث تم اختيار الممثلين بدقة. وانطلقت عملية التصوير في سوريا بين مدينتي تدمر ودمشق، ثم انتقل فريق العمل إلى إيران حيث تابع تصوير باقي المشاهد متنقلاً بين شيراز وطهران بمساعدة «الحرس الثوري الإيراني» الذي أسهم كثيراً في إنجاح هذا الشريط.
جوزيف سلامة في مشهد من العمل

«رحلة الشام 2701» (113 د) يتناول موضوع الإرهاب متمثلاً بداعش. تدور أحداثه حول ذهاب طيار إيراني وابنه في مهمة إنسانية إلى مناطق الحرب في سوريا. تتعرض الطائرة للاحتجاز من قبل عناصر «داعش». تتوالى أحداث الفيلم بعدها في قالب شيق، ومبهر، وتوعوي في آن، لتشكّل مرآة للوضع الراهن في سوريا. إذ سنصادف نماذج عن معظم عناصر المجتمع: «داعش» وتناقضاتها الداخلية، المقاومون على اختلاف جنسياتهم، والشعب السوري حتى بما يتضمنه من بيئة حاضنة للإرهاب.
الفيلم هو الأول من نوعه ـ سينمائياً ـ الذي يتفرد بطرح موضوع «داعش» بهذه الجرأة، وبتقنية تنافسية عالية في جمالية الصورة، إلى جانب قوة وقساوة المشاهد، فضلاً عن السينوغرافيا والتأثيرات الصوتية. علماً أنّه توِّج بثلاث جوائز في ختام الدورة السادسة والثلاثين من «مهرجان فجر السينمائي»، هي: جائزة أفضل إخراج (إبراهيم حاتمي كيا)، جائزة أفضل موسيقى (كارن همايونفر)، وجائزة أفضل هندسة صوتية (علي رضا علويان).
يتوجه الفيلم لكلّ من تعنيه قضية «داعش». هو يضعك في تماس مع حقيقة هذه الجماعة، كاشفاً تناقضاتها الداخلية. كما يظهر الجانب اللاإنساني لأفرادها وغياب الرحمة ليس تجاه من يحاربونهم فقط، بل حتى في ما بينهم. التقنية التي استعملها كيا في الدمج بين التركيز على القضية مع إدخال مشاهد الاكشن، شكّلت عنصر جذب ملفتاً في الفيلم. ويأتي الأداء المبهر للممثلين ليجعلك تتماهى مع شخصياتهم. ويعرف عن كيا أنّه يشتغل كثيراً على الممثل، وهو في هذا العمل اعتمد خلطة بين الممثلين منحت غنى للعمل: بيار داغر، ندى أبو فرحات، خالد السيد، سينتيا كرم، رامي عطالله، كارمن بصيبص، جوزيف سلامةمن لبنان، ليث مفتي وعلي سكر من سوريا، وهادي حجازي فر، وبابك حميديان من إيران.
صوّر العمل في تدمر ودمشق، ثم شيراز وطهران


الممثلون اللبنانيون المشاركون في الفيلم حضروا قبل أيام العرض الافتتاحي في سينما «غالاكسي»، معربين عن ارتياحهم للعمل مع كيا. عن تجربتها، تقول سينتيا كرم لـ «الأخبار»: «كانت تلك من أبرز التجارب في حياتي. حاولت أن أذهب بعيداً في الإبداع في تمثيل هذا الدور لأدفع المشاهد قدر الإمكان إلى رؤية مدى فظاعة هذه النماذج». من جهته، ركّز بيار داغر على المستوى العالي في الإنتاج، الذي تجلى في الصورة النهائية المبهرة للفيلم. وأشاد جوزيف سلامة بالطريقة التي تعامل فيها كيا، «مما دفعنا طوال فترة التصوير إلى إبراز أقصى إمكانياتنا لإعطاء هذه الصورة الواقعية عن الإرهاب الذي لا ينتمي إلى أي دين أو جهة، وهو ظاهرة مناقضة للطبيعة البشرية». كذلك ركز على مستوى التنظيم والدقة لدى القائمين على المشروع خلال فترة التصوير، إضافة إلى الاهتمام المميز الذي أحيطوا به جميعاً خلال العمل مع الفريق الإيراني.
وفي الحديث الذي أجرته «الأخبار» مع المشرف العام لـ «رسالات» الشيخ علي ضاهر، نوّه الأخير بالدور الذي تؤديه إيران، على الرغم من كل ما تعانيه من الحصار الدولي والاقتصادي، وكيف أنها لم تتوقف يوماً عن دعم حركات المقاومة في كل دول الجوار ليس فقط من الناحية العسكرية والاقتصادية بل حتى على الصعيد الفني والإعلامي. كما أوضح أن «رسالات»، التي «تسعى دوماً للمساهمة في نشر الفن المقاوم، تعمل جاهدة أينما تراءت لها الفرصة لإبراز قضية المقاومة. وقد سارعت إلى مدّ يد العون في جميع مراحل صناعة هذا الفيلم، أكان على صعيد الاستشارات أو المساعدات بين سوريا وإيران وصولاً إلى التعاون المباشر في توزيع الفيلم على الصعيد اللبناني، عبر تنظيم عروض له في الدور السينمائية على امتداد المناطق والتي تبدأ مساء اليوم». علماً أنّه إلى جانب لبنان، سيعرض الفيلم أيضاً في العراق وسوريا.

* «رحلة الشام 2701»: بدءاً من اليوم في الصالات اللبنانية و«رسالات»